، وأوّل من عمرها بعد الطوفان مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام، قدم إليها هو وأبوه بيصر في ثلاثين رجلا من قومه حين قسم نوح الأرض بين بنيه، فنزلوا بسفح المقطّم، ونقروا فيه منازل كبيرة نزلوا بها ثم ابتنوا مدينة منف وسكنوها على ما يأتي ذكره في الكلام على قواعد مصر القديمة إن شاء الله تعالى.
قال ابن لهيعة: وكان نوح عليه السلام قد دعا لمصر أن يسكنه الله تعالى الأرض الطيّبة المباركة التي هي أمن البلاد وغوث العباد، ونهرها أفضل الأنهار، ويجعل له فيها أفضل البركات، ويسخّر له الأرض ولولده ويذلّلها لهم، ويقوّيهم عليها. فسأله عنها فوصفها له، وأخبره بها.
[وأما تسميتها مصر]
- فقيل: إن نقراووس بن مصريم أوّل ملوكها قبل الطوفان حين عمرها سماها باسم أبيه مصريم تبركا، وإن مصر بن بيصر إنما سمّي باسمه. وأكثر المؤرّخين على أنها سميت بمصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام. وعلى الوجهين تكون علما منقولا عن اسم رجل.
وقال الجاحظ في رسالة له في مدح مصر: إنما سميت مصر [بمصر]«١» لمصير الناس إليها.
قلت: ويجوز أن تكون سميت مصر لكونها حدّا فاصلا بين بلاد المشرق والمغرب، إذ المصر «٢» في أصل لغة العرب اسم للحدّ بين الأرضين كما قاله القضاعي، ومنه قول أهل هجر «٣» : اشتريت الدار بمصورها، أي بحدودها.