قال أحمد بن يوسف الكاتب: كان يأتينا رجل في أيام خمارويه «١» بمداد لم أر أنعم منه، ولا أشدّ سوادا منه، فسألته من أي شيء استخرجته؟ فكتم ذلك عني، ثم تلطفت به بعد ذلك، فقال لي: من دهن بزر الفجل والكتّان، أضع دهن ذلك في مسارج وأوقدها ثم أجعل عليها طاسا حتّى إذا نفد الدهن، رفعت الطاس، وجمعت ما فيها بماء الآس والصمغ العربيّ. وإنما جمعه بماء الآس ليكون سواده مائلا إلى الخضرة والصمغ يجمعه ويمنعه من التطاير.
قال صاحب الحلية: وإن شئت أخذت من دخان مقالي الحمّص وشبهه، وتلقي عليه ماء، وتأخذ ما يعلو فوقه وتجمعه بماء الآس والعسل والكافور والصمغ العربي والملح، وتمدّه وتقطعه شوابير، والدخان الأوّل أجود والله أعلم.
النظر الثاني- في صنعتهما؛ وفيه مسلكان:
المسلك الأوّل في صنعة المداد، وبه كانت كتابة الأوّلين من أهل الصنعة وغيرهم
قال الوزير أبو عليّ بن مقلة رحمه الله: وأجود المداد ما اتّخذ من سخام النّفط، وذلك أن يؤخذ منه ثلاثة أرطال، فيجاد نخله وتصفيته، ثم يلقى في طنجير «٢» ، ويصبّ عليه من الماء ثلاثة أمثاله، ومن العسل رطل واحد، ومن الملح خمسة عشر درهما، ومن الصّمغ المسحوق خمسة عشر درهما، ومن العفص عشرة دراهم، ولا يزال يساط على نار لينة حتّى يثخن جرمه ويصير في هيئة الطين، ثم يترك في إناء ويرفع إلى وقت الحاجة. وما ذكره فيه إشارة إلى أنه لا ينحصر في