بغير شفاه، نقشت النّقوش الموضوعة لتلك الألفاظ، فيطالع تلك النّقوش، ويفهم منها تلك الألفاظ، ومن الألفاظ تلك المعاني؛ ولا علاقة معقولة بين المعاني والألفاظ على الأمر العام، ولا بين الألفاظ والنقوش الموضوعة؛ ومن ثمّ جاء اختلاف اللّغات والخطوط كالعربيّة والرّومية وغيرهما.
وأما الموازنة بينه وبين اللفظ، فالأصل في ذلك أن الخطّ واللّفظ يتقاسمان فضيلة البيان ويشتركان فيها: من حيث إن الخطّ دالّ على الألفاظ والألفاظ دالّة على الأوهام؛ ولاشتراك الخط واللفظ في هذه الفضيلة وقع التناسب بينهما في كثير من أحوالهما؛ وذلك أنهما يعبران عن المعاني، إلا أن اللفظ معنى متحرّك والخطّ معنى ساكن، وهو وإن كان ساكنا فإنه يفعل فعل المتحرّك بإيصاله كلّ ما تضمنه إلا الأفهام وهو مستقرّ في حيّزه، قائم «١» في مكانه؛ كما أن اللفظ فيه العذب الرشيق السائغ في الأسماع كذلك الخط فيه الرائق المستحسن الأشكال والصّور، وكما أن اللفظ فيه الجزل الفصيح الذي يستعمله مصاقع الخطباء، ومفالق الشّعراء، والمبتذل السخيف الذي يستعمله العوامّ في المكاتبة والمخاطبة، كذلك الخطّ فيه المحرّر المحقّق الذي تكتب به الكتب السلطانية والأمور المهمة، وفيه المطلق المرسل الذي يتكاتب به الناس ويستعملونه فيما بينهم. وكما أن اللفظ يقع فيه لحن الإعراب الذي يهجّنه، كذلك الخط يقع فيه لحن الهجاء. وكما أن اللفظ إذا كان مقبولا حلوا رفع المعنى الخسيس وقرّبه من النّفوس، وإن كان غثّا مستكرها وضع المعنى الرفيع وبعّده من القلوب، وكذلك الخط إذا كان جيّدا حسنا بعث الإنسان على قراءة ما أودع فيه وإن كان قليل الفائدة، وإن كان ركيكا قبيحا صرفه عن تأمّل ما تضمّنه وإن كان جليل الفائدة.
ولما اشترك اللفظ والخط في الفوائد العامّة التي جعلت فيهما وقع الاشتراك أيضا بين آلتيهما، إذ آلة اللفظ اللسان، وآلة الخط القلم؛ وكل منهما يفعل فعل