يجمعه الفكر، ويصوغ ما يسبكه اللب. وقال سهل بن هارون «١» : القلم أنف الضمير، إذا رعف أعلن أسراره، وأبان آثاره. وقال ثمامة «٢» : ما أثّرته الأقلام لم تطمع في درسه الأيام. وقال هشام بن الحكم: أحسن الصنيع صنيع القلم والخطّ الذي هو جنى العقول. وقال علي بن منصور: بنور القلم تضيء الحكمة. وقال الجاحظ: من عرف النعمة في بيان اللسان كان بفضل النعمة في بيان القلم أعرف.
وقال غيره: بالقلم تزفّ بنات العقول إلى خدور الكتب. وقال المأمون: لله درّ القلم كيف يحوك وشي المملكة. وقال بعض الأعراب: القلم ينهض بما يظلع «٣» بحمله اللّسان، ويبلغ ما لا يبلغه البيان. وقال بعضهم: القلم يجعل للكتب ألسنا ناطقة، وأعينا ملاحظة؛ وربما ضمنها من ودائع القلوب ما لا تبوح به الإخوان عند المشاهدة. وقال أوميرس الحكيم: الخط شيء أظهره العقل بواسطة سن القلم، فلما قابل النفس عشقته بالعنصر. وقال مرطس الحكيم: الخط بالقلم ينمّي الحكمة. وقال جالينوس: القلم الطلسم الأكبر. وقال بقراط: القلم على «٤» إيقاع الوتر، والمهنة المنطقية مقدّمة على المهنة الطبيعية. وقال بليناس: القلم طبيب المنطق. قال أرسطاطاليس: القلم العلّة الفاعلة، والمداد العلة الهيولانيّة، والخط العلة الصّورية، والبلاغة العلّة التمامية. وقد أكثر الشعراء القول في شرف القلم وفضله.
فمن ذلك قول أبي تمّام الطائيّ:
إن يخدم القلم السّيف الذي خضعت ... له الرّقاب وذلّت خوفه الأمم