الكرسف، والبرس، والطّوط، والعطب، والأولى أن تكون من الحرير الخشن: لأن انتفاشها في المحبرة وعدم تلبّدها أعون على الكتابة. قال بعض الكتّاب: ويتعين على الكاتب أن يتفقد اللّيقة ويطيّبها بأجود ما يكون، فإنها تروح على طول الزّمن، ولله القائل:
متظرّف شهدت عليه دواته ... أن الفتى لا كان غير ظريف
إن التفقّد للدّواة فضيلة ... موصوفة للكاتب الموصوف
وكان بعض الكتّاب يطيّب دواته بأطيب ما عنده من طيب نفسه، فسئل عن ذلك فقال: لأني أكتب به اسم الله تعالى واسم رسوله صلى الله عليه وسلّم واسم أمير المؤمنين أطال الله بقاءه، وربما سبق القلم بغير إرادتنا فنلحسه بألسنتنا ونمحوه بأكمامنا.
قال الشيخ علاء الدين السّرّمرّيّ: ويتعين على الكاتب تجديد اللّيقة في كل شهر، وأنه حين فراغه من الكتابة يطبّق المحبرة لأجل ما يقع فيها من التراب ونحوه، فيفسد الخط. ونظم ذلك في أرجوزته فقال:
وجدّد اللّيقة كلّ شهر ... فشيخنا كان بهذا يغري
لأجل ما يقع فيها من قذى ... فينتشي من ذاك في الخطّ أذى
وينبغي له مع ذلك أن يصونها عن الأشياء القذرة كالبصاق ونحوه، فقد حكى محمد بن عمر المدائني أن بعض العلماء رأى صبيّا يبصق في دواته فزجره وقال لمعلّمه: امنع الصّبيان عن مثل هذا، فإنما يكتبون به كلام الله. قال محمد بن عمر المدائني: كأنه تحرّج أن يكتب القرآن بمداد غير نظيف. قال المدائني: وكان بلغني عن ابن عباس أنه أجاز أن يبصق الرجل في دواته، فسألت احمد بن عمرو البزاز «١» عن ذلك فأنكره، وقال: هذا حديث كذب، وضعه عاصم بن سليمان الكوذن، وكان كذّابا ذكرته لأبي داود الطيالسي «٢» فقال: هو كذّاب يجب أن تعرفوا