للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيبته. ولا ينهمك في الملاذّ انهماك الآمن بل يقف عند الحدّ الذي يبقي فيه فضلة لعوارض السلطان ومهمّاته الحادثة في آناء الليل، وساعات النهار. فإن تعبه في صلاح زمانه وراحة سلطانه مستبق لنعمته، مستدع لزيادته. ولا يشتغل بكبير الأمور عن صغيرها، ولا يبتهج بما أصلحه منها حتّى ينظر في عواقبه، ويسوس ما ردّ إليه بالسياسة الفاضلة: فيلين في غير ضعف، ويشتدّ في غير عنف، ويعفو عن غير خور، ويسطو من غير جور، ويقرّب بغير تدلّه، ويبعد بغير نكر، ويخصّ في غير مجازاة، ويعمّ في غير تضييع، فلا يشقى به الحقّ وإن كان عدوّا، ولا يسعد به وإن كان وليّا.

ومنها: إذا حضر بين يدي سلطانه أو رئيسه في المجلس الخاصّ أو العامّ أن يعتمد مقابلته بالإجلال والإعظام، والتوقير والإكرام؛ ولا يحمله تأكد الخدمة وتطاول الصحبة على إهمال ذلك بل يحفظ رسمه، ولا يغيّر عادته.

ومنها: أن يتخير لخطابه في الأغراض والأوطار أوقاتا يعلم خلوّ سرّه فيها، وفراغ باله، وانشراح صدره، وارتفاع الأفكار عن خاطره: إلا إن كان ما يخاطبه فيه أمرا عائدا بانتظام سلطانه، واستقامة زمانه، داخلا في مهمات أعماله التي متى أخّرها نسب إلى التقصير؛ فيقدّم الكلام فيها خفّ أو ثقل.

وإذا خاطبه رئيسه من سلطان أو غيره في أمر من الأمور، فعليه أن يرعيه عينه، وينصت إليه سمعه، ويشغل به فكره، ولا يستعمله فيما يعوقه عنه حتّى يستوعب ما يلقيه إليه، ويجيبه عنه أحسن الجواب، ولا يلتفت في حال إقباله عليه إلى غيره، ولا يصغى إلى كلام متكلم، ولا حديث متحدّث، حتّى لو امتحنه باستعادة ما فاوضه فيه وجده قد أحرز جميعه؛ فإن التقصير في ذلك مما ينكره الملوك والرؤساء، ويستدلّون به على ضعف المخاطب. وإن كان فيما خاطبه فيه أمر يحتمل التأخير بادر بالاعتذار عنه: لئلا ينسب إلى التقصير بتأخيره عند الكشف عنه؛ وإن كان فيه ما يخالف الصواب أمضاه، وإن تعذر السبيل إلى فعله لم يظهر التقاعس عنه لتخطئته، بل يقابله بالاستصواب، ثم يتلطف في تعريفه مكان الخطإ فيما رآه.

<<  <  ج: ص:  >  >>