وسيما حسن الهيئة، كان في العيون أعظم، وفي النفوس أفخم، وإذا كان على ضدّ ذلك سئمته النفوس، ومجّته القلوب؛ فكذلك الخط إذا كان حسن الوصف، مليح الرّصف مفتّح العيون، أملس المتون، كثير الائتلاف، قليل الاختلاف، هشّت إليه النفوس، واشتهته الأرواح؛ حتّى إن الإنسان ليقرؤه وإن كان فيه كلام دنيء، ومعنى رديء، مستزيدا منه ولو كثر، من غير سآمة تلحقه؛ وإذا كان الخط قبيحا مجّته الأفهام، ولفظته العيون والافكار، وسئم قارئه، وإن كان فيه من الحكمة عجائبها، ومن الألفاظ غرائبها.
ويقال: إن الخط مواز للقراءة، فأجود الخط أبينه، كما أن أجود القراءة أبينها؛ ولا يخفى أن الخط الحسن هو البيّن الرائق البهج. ثم قد تقدّم في الكلام على أصل الخط أن الخطّ واللفظ يتقاسمان فضيلة البيان، ويشتركان فيها.
قال في «مواد البيان»«١» : ولما كان الخط قسما للّفظ في البيان الذي امتنّ الله تعالى بتعليمه على الإنسان، وجب على الكاتب أن يعنى بأمر الخط، ويراعي من تجويده وتصحيحه، ما يراعيه من تهذيب اللفظ وتنقيحه، ليدلّ على سرعة وسهولة كما يدلّ اللفظ البليغ البيّن، لأن الخط وإن كان على الإطلاق في المنزلة التي لا تساوى من الشرف فإنما تحصل فضائله للجيّد منه، كما أن المنطق وإن كان من الشرف في هذا الحدّ فإنما تحصل فضائله التامّة لمنطق البليغ اللّسن، دون منطق العييّ الألكن، وكذلك سائر الصنائع الفاضلة على الإطلاق إنما يحصل فضلها للماهر فيها دون المبتديء.
قال: فينبغي للكاتب ألّا يقدّم على تهذيب خطه وتحريره شيئا من آدابه فإن جودة الخط أوّل الأدوات التي ينتظم بحصولها له اسم الكتابة، ويحكم عليه إذا