الصواب من غير تلقّ بردّ، ولا يتبجّح بما عنده، ويكون متابعا للملك على أخلاقه الفاضلة، وطباعه الشريفة: من بسط المعدلة «١» ، ومدّ رواق الأمنة، ونشر جناح الإنصاف، وإغاثة الملهوف، ونصرة المظلوم، وجبر الكسير، والإنعام على المعتّر «٢» المستحق، والتوفّر على الصدقات، وعمارة بيوت الله تعالى، وصرف الهمم إلى مصالحها، والنظر في أحوال الفقهاء وحملة كتاب الله العزيز بما يصلح، والالتفات إلى عمارة البلاد، وجهاد الأعداء، ونشر الهيبة، وإقامة الحدود في مواضعها، وتعظيم الشريعة، والعمل بأحكامها، فيكون لجميع ذلك مؤكّدا، ولأفعاله فيه موطّدا ممهّدا. وإن أحسّ منه بخلّة تنافي هذه الخلال، أو فعلة تخالف هذه الأفعال، نقله عنها بألطف سعي وأحسن تدريج، ولا يدع ممكنا في تبيين قبحها، وإصلاح رداءة عاقبتها، وفضيلة مخالفتها إلا بيّنه وأوضحه إلى أن يعيده إلى الفضائل التي هي بالملوك النبلاء أليق؛ وأن يكون مع ذلك بأعلى مكانة من اليقظة والاستدلال بقليل القول على كثيره، وببعض الشيء على جميعه، ويستغني عن التصريح بالإشارة والإيماء، بل الرمز والايحاء: لينبه الملك على الأمور من أوائلها، ويعرّفه خواتم الأشياء من مفتتحاتها، ويحذّره حين تبدو له لوائح الأمر من قبل أن يتساوى فيه العالم والجاهل- كما حكي عن خالد بن برمك «٣» : «أنه كان مع قحطبة «٤» في معسكر، جالسين في خيمة إذ نظر خالد إلى سرب من الظباء قد أتى حتّى كاد يخالط العسكر، فأشار على قحطبة بالركوب فسأله عن