الشام، فخرج معاوية لملاقاته في موكب عظيم، فلقيه في طريقه في خفّ «١» من القوم فلم يشعر به وتعدّاه طالبا له؛ ثم عرّف ذلك فيما بعد، فرجع وسلّم على أمير المؤمنين عمر، ومشى إلى جانبه، فلم يلتفت إليه وطال به ذلك، فقال له عبد الرحمن بن عوف: أتعبت الرجل يا أمير المؤمنين، فالتفت إليه حينئذ، وقال: أنت صاحب الموكب الآن مع ما يبلغني من وقوف ذوي الحاجات ببابك؟ - فقال: يا أمير المؤمنين، إنا بأرض يكثر فيها جواسيس العدوّ فأحتاج أن أظهر لهم من أبّهة الملك والسلطان ما يزعهم «٢» ، فإن أمرتني به، ائتمرت، وإن نهيتني عنه، انتهيت- فقال: إن كان ما قلت حقّا، فإنّه لرأي أديب، وإن كان غير حق، فإنه لخدعة أريب، لا آمرك ولا أنهاك- فقال عبد الرحمن: لحسن يا أمير المؤمنين، ما صدر به هذا الفتى عما أوردته فيه- فقال: لحسن مصادره وموارده جشّمناه ما جشمناه.
فلما صارت الخلافة إليه، زاد في حسن الترتيب وإظهار الأبّهة، وأخذ الخلفاء بعده في مضاعفة ذلك والاحتفال به حتّى أمست الخلافة في أغي «٣» ما يكون من ترتيب الملك، وفاقت في ذلك الأكاسرة والقياصرة، بل اضمحلّ في جانب الخلافة سائر الممالك العظام، وانطوى في ضمنها ممالك المشارق والمغارب، خصوصا في أوائل الدولة العباسية في زمن الرشيد ومن والاه.
حتّى يحكى أن صاحب عمّوريّة من ملوك الروم كانت عنده شريفة مأسورة في خلافة المعتصم فعذّبها، فصاحت وامعتصماه! فقال لها: لا يأتي المعتصم لخلاصك إلا على أبلق «٤» . فبلغ ذلك المعتصم، فنادى في عسكره بركوب الخيل البلق، وخرج وفي مقدّمة عسكره أربعة آلاف أبلق، وأتى عمّوريّة فحاصرها