فلا تكن مملوكا بعد أن كنت مالكا» . وقد كانت ملوك الفرس تقول:«أعظم الناس حقّا على جميع الطّبقات من ولي أسرار الملوك» .
واعلم أنه إذا كان إفشاء السر ربما أفضى إلى الهلكة، خصوصا أسرار الملوك، فعلى صاحب هذه الوظيفة القيام من ذلك بواجبه وكتمان السرّ حتى عن نفسه، فقد حكى صاحب «الريحان والرّيعان» : أن عبد الله بن طاهر «١» تذاكر الناس في مجلسه حفظ السر، فقال عبد الله:
ومستودعي سرّا تضمّنت ستره ... فأودعته في مستقر الحشا قبرا
فقال ابنه عبيد الله، وهو صبيّ:
وما السّرّ من قلبي كثاو بحفرة ... لأنّي أرى المدفون ينتظر الحشرا
ولكنني أخفيه حتى كأنّني ... من الدّهر يوما ما أحطت به خبرا
وعلى صاحب هذه الرتبة الاحتياط حالة تلقّي السرّ عن الملك بأن لا يتلّقاه عنه بحضرة أحد. فقد حكي أنّ بعض ملوك العجم استشار وزيريه، فقال أحدهما:«لا ينبغي للملك أن يستشير منّا أحدا إلا خاليا فإنه أموت «٢» للسّر وأحرم للرأي وأجدر بالسلامة وأعفى لبعضنا من غائلة بعض، فإن إفشاء السر إلى رجل واحد أوثق من إفشائه إلى اثنين وإفشاؤه إلى ثلاثة كإفشائه إلى جماعة، لأن الواحد رهن بما أفشي إليه. والثاني مطلق عليه ذلك الرهن.
والثالث علاوة، وإذا كان السر عند واحد كان أحرى أن لا يظهره رغبة أو رهبة، وإن كان عند اثنين كان على شبهة واتسعت عن «٣» الرجلين