ثم لما بايع الظاهر «١» أيضا الإمام «الحاكم بأمر الله» ثاني خلفائهم أيضا في سنة تسع وخمسين وستمائة على ما تقدّم ذكره، بقي مدّة، ثم أشركه معه في الدّعاء في الخطبة على المنابر في سنة ست وستين وستمائة، إلا أنه منعه من التصرف والدخول والخروج. ولم يزل كذلك إلى أن ولي السلطنة الملك الأشرف «خليل ابن المنصور قلاوون» فأطلق سبيله، وأسكنه في الكبش على القرب من الجامع الطّولونيّ؛ وكان يخطب أيام الجمع بجامع القلعة إلى أن ولي السلطنة الملك المنصور حسام الدّين لاجين، فأباح له التصرف والركوب إلى حيث شاء؛ وبقي الأمر على ذلك إلى أن ولي الخلافة «المستعصم بالله» أبو العباس أحمد بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان المرّة الثانية بعد موت الملك الناصر محمد بن قلاوون، ففوّض إليه السلطان نظر المشهد النفيسيّ «٢» واستقرّ بأيدي الخلفاء إلى الآن.
والذي استقرّ عليه حال الخلفاء بالديار المصرية أن الخليفة يفوّض الأمور العامة إلى السلطان، ويكتب له عنه عهد بالسلطنة ويدعى له قبل السلطان على المنابر إلا في مصلّى السلطان خاصة في جامع مصلاه بقلعة الجبل المحروسة، ويستبد السلطان بما عدا ذلك: من الولاية والعزل وإقطاع الإقطاعات حتى للخليفة نفسه، ويستأثر بالكتابة في جميع ذلك.
قلت: ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن قبض على السلطان الملك الناصر فرج بن الظاهر برقوق بالشام في أوائل سنة خمس عشرة وثمانمائة على ما تقدّم ذكره، فاستقل الإمام «المستعين بالله» خليفة العصر بأمر الخلافة: من الكتابة على العهود ومناشير الإقطاعات، والتقاليد، والتواقيع، والمكاتبات وغيرها، وأفرد