من المآثر أعظم الأقاليم خطرا، وأجلّها قدرا، وأفخمها مملكة، وأطيبها تربة، وأخفّها ماء وأخصبها زرعا، وأحسنها ثمارا، وأعدلها هواءا، وألطفها ساكنا.
ولذلك ترى الناس يرحلون إليها وفودا، ويفدون عليها من كل ناحية، وقلّ أن يخرج منها من دخلها، أو يرحل عنها من ولجها مع ما اشتملت عليه من حسن المنظر، وبهجة الرّونق لا سيما في زمن الربيع، وما يبدو بها من الزروع التي تملأ العين وسامة وحسنا، وتروق صورة ومعنى.
قال المسعوديّ «١» : وصف الحكماء مصر فقالوا: ثلاثة أشهر لؤلؤة بيضاء، وثلاثة أشهر مسكة سوداء، وثلاثة أشهر زمرّدة خضراء، وثلاثة أشهر سبيكة حمراء.
فاللؤلؤة البيضاء، زمان النيل، والمسكة السوداء، زمان نضوب الماء عن أرضها والزّمرّدة الخضراء، زمان طلوع زروعها، والسّبيكة الحمراء، زمان هيج الزرع واكتهاله.
وقد قيل: لو ضرب بينها وبين غيرها من البلاد سور، لغني أهلها بها عما سواها ولما احتاجوا إلى غيرها من البلاد، وناهيك ما أخبر الله تعالى به عن فرعون مع عتوّه وتجبّره وادعائه الربوبية بافتخاره بملكها بقوله: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ
«٢» .
قال ابن الأثير «٣» في «عجائب المخلوقات»«٤» : وهي إقليم العجائب،