العاص أوّل أمرائها بداره على القرب من الجامع، ولم يزل كلّ أمير بعده ينزل بالدار التي يكون بها سكنه إلى آخر الدولة الأمويّة، وكان عبد العزيز بن مروان، وهو أمير مصر في خلافة أخيه عبد الملك بن مروان قد بنى دارا عظيمة بالفسطاط سنة سبع وستين من الهجرة وسماها دار الذهب، وجعل لها قبّة مذهبة إذا طلعت عليها الشمس لا يستطيع الناظر التأمل فيها خوفا على بصره، وكانت تعرف بالمدينة لسعتها وعظمها وكان عبد العزيز ينزلها، ثم نزلها بنوه بعده، فلما هرب مروان بن محمد آخر خلفاء بني أميّة إلى مصر، نزل هذه الدار فلما رهقه القوم، أمر بإحراقها، فلامه في ذلك بعض بني عبد العزيز بن مروان فقال: إن أبق، أبنها لبنة من ذهب ولبنة من فضّة، وإلا فما تصاب به في نفسك أعظم، ولا يتمتع بها عدوّك من بعدك.
فلما غلب بنو العبّاس على بني أميّة وهرب مروان بن محمد آخر خلفاء بني أميّة إلى الديار المصرية، وتبعه عليّ بن صالح بن عليّ الهاشميّ إلى أن أدركه بمصر وقتله «١» واستقر أميرا على مصر في خلافة السّفّاح أوّل خلفاء بني العباس، ابتنى دارا للإمارة ونزلها، وصارت منزلة للأمراء بعده إلى أن ولي «٢» أحمد بن طولون الديار المصرية فنزل بها في أوّل أمره، ثم اختطّ بعد ذلك قصره المعروف بالميدان فيما بين قلعة الجبل الآن والمشهد النّفيسي وما يلي ذلك في سنة ست وخمسين ومائتين، وكان له عدّة أبواب: بعضها عند المشهد النفيسيّ، وبعضها «٣» عند جامعه الآتي ذكره، واختطّ الناس حوله واقتطع كل أحد قطيعة ابتنى بها، فكان يقال: قطيعة هارون بن خمارويه، وقطيعة السّودان، وقطيعة الفرّاشين، فعرف ذلك المكان بالقطائع، وتزايدت العمارة حتّى اتّصلت بالفسطاط، وصار الكلّ بلدا واحدا، ونزل أحمد بن طولون بقصره المذكور، وكذلك بنوه بعده، وأهملت