وصار الفسطاط في كل وقت تتزايد عمارته حتّى صار في غاية العمارة ونهاية الحسن، به الآدر الأنيقة، والمساجد القائمة، والحمامات الباهية، والقياسر الزاهية، والمستنزهات الرائقة، ورحل الناس إليه من سائر الأقطار، وقصدوه من جميع الجهات، وغصّ بسكّانه، وضاق فضاؤه الرحيب عن قطّانه، حتّى حكى صاحب «إيقاظ المتغفّل»«١» عن بعض سكّان الفسطاط أنه دخل حمّاما من بناء الروم في أيام خمارويه بن طولون في سنة سبع وثلاثمائة فلم يجد فيها صانعا يخدمه، وكان فيها سبعون صانعا قلّ منهم من معه ثلاثة نفر يغسلهم، وأنه دخل بعدها حمّاما ثم حمّاما فلم يجد من يخدمه إلا في الحمّام الرابعة «٢» ، وكان الذي خدمه معه ثان «٣» .
وحكى في موضع آخر عمن يثق به عن أبيه أنه شاهد من مسجد الوكرة «٤» بالفسطاط إلى جامع ابن طولون قصبة سوق متصلة، فعدّ ما بها من مقاعد الحمّص المصلوق «٥» فكانت ثلاثمائة وتسعين مقعدا غير الحوانيت وما بها.
وحكى أيضا عمن أخبره أنه عدّ الأسطال النّحاس المؤبدة في البكر لاستقاء الماء في الطاقات المطلّة على النيل، فكانت ستة عشر ألف سطل. قال: وبلغ أجرة مقعد يكرى عند البيمارستان الطولونيّ «٦» بالفسطاط في كل يوم اثني عشر درهما.