للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مشاهير المؤرخين أمثال المقريزي وابن حجر والعيني وأبو المحاسن وابن إياس، تكاد تسير كلها على نمط واحد وتكاد تتفق كلها في قدر واحد من المعلومات، من ناحية ما حدث في هذه السنة أو تلك من حرب أو فتنة ومن غلاء أو رخاء، ومن وفاة سلطان أو قيام آخر ... فإذا ذكر أحد أولئك المؤرخين شيئا عن الأسعار في سنة من السنوات، فإنه لا يشير إلى النقود المتداولة وأقسامها وأنواعها، أو إلى المقاييس والمكاييل المستخدمة، مثل ما فعل القلقشندي في كتابه «صبح الأعشى» ... وهكذا نجد المؤرخين من كتاب الحوليات يطوون السنوات طيّا ويركزون عنايتهم على جوانب معينة يلتزمون الكلام عنها. وهنا يأتي دور كتاب مثل «صبح الأعشى» ليسد تلك الثغرات في تاريخ مصر في العصور الوسطى، بما يحويه من معلومات خطيرة عن النظم الداخلية والعلاقات الخارجية، فضلا عن الأضواء التي يلقيها على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والدينية ...

هذا إلى جانب تمتع القلقشندي بحاسة تاريخية قوية؛ فهو إلى جانب كونه أديبا وفقيها، يبدو في كتابه بصورة المؤرخ الواعي المحيط ببواطن الأمور، القادر على الربط والاستنتاج، المستوعب لكثير من كتب السير والتواريخ «١» .

وإذا تتبعنا منهج القلقشندي في كتابه «صبح الأعشى» في جميع أبوابه ومواده نجدنا دائما أمام رجل الفكر المنظم والأمانة العلمية والإحاطة الموسوعية.

ويزداد إعجابنا كلما انتبهنا إلى أن هذا العمل الموسوعي الضخم هو من إنتاج فرد بعينه، في حين نرى أن الأعمال الموسوعية الكبرى تتظافر فيها جهود عدد كبير من العلماء والباحثين، وربما تعاقب على إنجازها غير جيل.

وإذا كانت العصور الوسطى هي عصور الجهل والظلام في اعتبار معظم الأدبيات الغربية، فإننا نحد أنفسنا أمام واجب المزيد من الكشف عن تلك المنارات العربية الإسلامية في تلك العصور (أمثال القلقشندي وغيره) لإعادة

<<  <  ج: ص:  >  >>