الطرّانة على مسيرة يوم منها، وتقدّم في كلام صاحب «التعريف» أنه لا يعلم في الدنيا بقعة صغيرة يستغلّ منها أكثر مما يستغلّ منها، فإنها نحو مائة فدّان تغل نحو مائة ألف دينار كل سنة. والمعدن الثاني بالفاقوسية على القرب من الخطارة، ويعرف بالخطاريّ، وهو غير لاحق في الجودة بالأوّل.
قال في «نهاية الأرب» : وأوّل من احتجر النّطرون أحمد بن محمد بن مدبّر «١» نائب مصر قبل أحمد بن طولون، وكان قبل ذلك مباحا. قال في «قوانين الدواوين» : وهو في طور محدود لا يتصرف فيه غير المستخدمين من جهة الديوان، والنفقة على كل قنطار منه درهمان، وثمن كل قنطار منه بمصر والإسكندرية لضيق الحاجة إليه سبعون درهما، قال: والعادة المستقرّة أنه متى أنفق من الديوان في العربان عن أجرة حمولة عشرة آلاف قنطار، ألزموا بحمل خمسة عشر ألف قنطار، حسابا عن كل قنطار قنطار ونصف. ثم قال: وأكثره مصروف في نفقة الغزاة.
قلت: أما في زماننا فقد تضاعفت قيمة النّطرون وغلا سعره لاحتجار السلطان له، وأفرط حتّى خرج عن الحدّ، حتّى إنه ربما بلغ القنطار منه مبلغ ثلاثمائة درهم أو نحوها. وقد كان على النّطرون مرتّبون من كتّاب دست وكتّاب درج وأطباء وكحالين «٢» وغيرهم وجماعة من أرباب الصدقات يستأدون ذلك، وينفقون على حمولته إلى ساحل النيل بالبلدة المعروفة بالطّرّانة المتقدّمة الذكر، ويبيعونه على من يرغب فيه ليتوجه به في المراكب إلى الوجه القبليّ، ولم يكن لأحد أن يبيع شيئا بالوجه البحريّ جملة، ثم بطل ذلك في أواخر الدولة الظاهرية برقوق، وصار النطرون بجملته خالصا للسلطان جاريا في الديوان المفرد تحت نظر أستاذ دار، يحمل إلى الإسكندرية والقاهرة فيخزن في شون ثم يباع منها،