إظهار الأسرار اتّكالا على أنها تنسب إلى أولئك، فإذا كان الأمر قاصرا عليهم احتاجوا إلى كتمان ما يعلمونه خشية أن ينسب إليهم إذا ظهر» .
وأمّا ما استقر عليه الحال في زماننا فكتّاب الديوان على طبقتين:
الطبقة الأولى- كتّاب الدّست، وهم الذين يجلسون مع كاتب السر بمجلس السلطان بدار العدل في المواكب على ترتيب منازلهم بالقدمة «١» ويقرأون القصص على السلطان بعد قراءة كاتب السر، على ترتيب جلوسهم ويوقّعون على القصص كما يوقّع عليها كاتب السر. وسمّوا كتّاب الدست إضافة إلى دست السلطان وهو مرتبة جلوسه: لجلوسهم للكتابة بين يديه؛ وهؤلاء هم أحقّ كتّاب ديوان الإنشاء باسم الموقّعين: لتوقيعهم على جوانب القصص بخلاف غيرهم.
وقد تقدّم أنهم كانوا في أوائل الدولة التركية في الأيام الظاهرية بيبرس وما والاها، قبل أن يلقّب صاحب ديوان الإنشاء بكاتب السر ثلاثة كتاب، رأسهم القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر، ثم زادوا بعد ذلك قليلا إلى أن صاروا في آخر الدولة الأشرفية شعبان بن حسين عشرة أو نحوها، ثم تزايدوا بعد ذلك شيئا فشيئا خصوصا في سلطنة الظاهر برقوق، وابنه الناصر فرج حتّى جاوزوا العشرين وهم آخذون في التزايد.
وقد كانت هذه الرتبة لا حقة بشأو كتابة السر في الرفعة والرياسة إلى أن دخل فيها الدخيل، وقدّم فيها غير المستحق، ووليها من لا يؤهّل لما هو دونها، وانحطّت رتبتها وصار أهلها في الحضيض الأوهد من الرياسة بعد أوجها الا الأفذاذ ممن علت رتبته وقليل ما هم.
الطبقة الثانية- كتّاب الدّرج، وهم الذين يكتبون ما يوقّع به كاتب السر أو كتّاب الدست أو إشارة النائب أو الوزير، أو رسالة الدوادار ونحو ذلك من