لم يستطع أن يقدم لنا أكثر من مجرد نظم لا يمكن أن يضعه في مصاف الشعراء.
ولعل حماسه للنثر واشتغاله فيه من خلال عمله في ديوان الإنشاء، جعله يتعصّب له ويفضله على الشعر، فهو يقول:«والنثر أرفع منه درجة، وأعلى رتبة، وأشرف مقاما، وأحسن نظاما، إذ الشعر محصور في وزن وقافية، يحتاج الشاعر معها إلى زيادة الألفاظ، والتقديم فيها والتأخير.... والكلام المنثور لا يحتاج إلى شيء من ذلك، فتكون ألفاظه تابعة لمعانيه، ويؤيد ذلك أنك إذا اعتبرت ما نقل من معاني النثر إلى النظم وجدته قد انحطت رتبته ... »«١» . ولعل القلقشندي في غمرة حماسه للنثر لم يلتفت إلى ما في الشعر من سحر وجمال، فحجب ذلك عمدا في بعض المواقف، ثم ما لبث جلال الشعر أن دفع به إلى الاعتراف به في صفحات كثيرة من كتابه «٢» وفي الفصول المتعددة التي كتبها القلقشندي عن البلاغة نجده عالة على البلاغيين المتخصصين- لا سيما صاحب مواد البيان-، ونحن لا نعتبر ذلك عيبا عند القلقشندي ذلك أنه لم يدع أنه بلاغي، وإنما موقفه موقف المعلم الذي يرجع إلى المصادر المشروعة التي يأخذ منها مادة درسه، ثم ينقحها ويهذبها ويحسن عرضها على تلاميذه. وهو إلى ذلك يمتلك ملكة نقدية مصقولة الحواشي صافية الذوق أعطت كتابه وجها جميلا في فن القول ووجوه نقد الكلام والتمييز بين غثه وسمينه ومألوفه ووحشيه، كل ذلك في صبر ووفرة وقدرة تدعو إلى الانحناء أمامه تقديرا لجهوده الجبارة.
ومما لا شك فيه أن صبح الأعشى- من حيث النصوص الأدبية التي احتواها- يعتبر أغنى مرجع عربي في هذا الشأن، نظرا لوفرة عدد الرسائل والخطب التي ضمتها دفتاه.