وكأنه يشير بذلك إلى ما قصه الله تعالى في سورة الصافّات بقوله: أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ
«١» وكان فتحها في سنة أربع عشرة من الهجرة؛ وهي مدينة من أعمال دمشق واقعة في الإقليم الرابع طولها ستون درجة، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وخمسون دقيقة، وهي مدينة شماليّ دمشق، جليلة البناء، نبيهة الشان، قديمة البنيان، يقال إنها من بناء سليمان عليه السلام. قال في «مسالك الأبصار» : وهي مختصرة من دمشق في كمال محاسنها وحسن بنائها وترتيبها؛ بها المساجد والمدارس والرّبط والخوانق والزوايا والبيمارستان والأسواق الحسنة، والماء جار في ديارها وأسواقها، وفيها يعمل الدهان الفائق من الماعون وغيره ويحمل منها إلى غالب البلدان مع كونها واسعة الرزق رخيصة السّعر، وكانت دار ملك قديم، ومن عشّها درج «نجم الدين أيوب» والد الملوك الأيوبية رحمه الله، وبها قلعة حصينة جليلة المقدار من أجلّ البنيان وأعظمه، وهي مرجلة على وجه الأرض كقلعة دمشق. قال في «التعريف» : بل إنما بنيت قلعة دمشق على مثالها، وهيهات لا تعدّ من أمثالها! وأين قلعة دمشق منها وحجارتها تلك الجبال الثوابت، وعمدها تلك الصخور النوابت.
قد يبعد الشّيء من شيء يشابهه ... إنّ السّماء نظير الماء في الزّرق
وبهذه القلعة من عمارة من نزل بها من الملوك الأيوبية آثار ملوكية جليلة، ويستدير بالمدينة والقلعة جميعا سور عظيم البناء مبنيّ بالحجارة العظيمة المقدار الشديدة الصّلابة، ويحف بذلك غوطة عظيمة أنيقة ذات بساتين مشتبكة الأشجار بها الثمار الفائقة، والفواكه المختلفة. وبظاهرها عين «٢» ماء متسعة الدائر ماؤها في غاية الصفاء بين مروج وبساتين، يمتدّ منها نهر يتكسّر على الحصباء في خلال تلك المروج إلى أن يدخل المدينة، وينقسم في بيوتها وجهاتها. وعلى البعد منها عين أخرى تعرف بعين اللحوج (؟) في طرف بساتينها، منها فرع إلى الجانب