ثم انتزعها منهم الملك العادل (نور الدين محمود بن زنكي) المعروف بنور الدين الشهيد وملكها في سنة تسع وأربعين وخمسمائة، واجتمع له ملك سائر الشام معها، وهو الذي بنى أسوار مدن الشام حين وقعت بالزلازل كدمشق وحماة وحمص وحلب وشيزر وبعلبكّ وغيرها؛ وتوفي فملك بعده ابنه (الملك الصالح إسماعيل) وعمره إحدى عشرة سنة، وبقي بها حتّى انتزعها منه السلطان (صلاح الدين يوسف بن أيوب) صاحب مصر في سنة سبعين وخمسمائة، وقرر فيها أخاه سيف الإسلام طغتكين بن أيوب؛ ثم استخلف عليها السلطان صلاح الدين بعد ذلك ابن أخيه عزّ الدين (فرخشاه بن شاهنشاه بن أيوب) في سنة ست وسبعين وخمسمائة؛ ثم صرفه عنها وقرّر فيها ابنه الملك الأفضل (نور الدين عليّا) ؛ وهو الذي وزّر له الوزير ضياء الدين بن الأثير صاحب «المثل السائر» .
ثم انتزعها منه أخوه الملك العزيز (عثمان ابن السلطان صلاح الدين) صاحب مصر بعد وفاة أبيه بمعاضدة عمه العادل أبي بكر في سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، والخليفة يومئذ ببغداد الناصر لدين الله، وكان يميل إلى التشيّع، فكتب إليه الأفضل عليّ يستجيشه على أخيه العزيز عثمان وعمه العادل أبي بكر؛ من شعره:
مولاي! إنّ أبا بكر وصاحبه ... عثمان قد غصبا بالسّيف حقّ علي
فانظر إلى حظّ هذا الاسم كيف لقي ... من الأواخر ما لاقى من الأول
فكتب إليه الناصر لدين الله في جوابه:
غصبوا عليّا حقّه إذ لم يكن ... بعد النبيّ له بيثرب ناصر
فاصبر فإنّ غدا عليك حسابهم ... وابشر فناصرك الإمام النّاصر
ولكنه لم يجاوز القول إلى الفعل؛ ثم سلمها العزيز بعد ذلك لعمه (العادل أبي بكر) فقرّر فيها ابنه الملك المعظم عيسى مضافة إلى ما بيده من الكرك والشّوبك، وكان يخطب فيها لأبيه العادل، ثم لأخيه الكامل محمد صاحب مصر، وبقي حتّى توفي في سنة أربع وعشرين وستمائة، وملك بعده ابنه (الملك الناصر