«إلى محمد بن عبد الله خاتم المرسلين، ورسول رب العالمين، صلّى الله عليه وسلّم من تبّع الأوّل حمير، أمانة الله في يد من وقع إليه أن يدفعه إلى صاحبه» .
ودفع الكتاب إلى رئيس العلماء المذكورين، وتداوله بنوه بعده إلى أن هاجر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة فتلقاه به بعض أولاد ذلك العالم بين مكّة والمدينة، وتاريخ الكتاب يومئذ ألف سنة بغير زيادة ولا نقص. وقيل في بنائها غير ذلك، وهي مدينة متوسطة في مستو من الأرض، والغالب على أرضها السباخ، وفي شماليّها جبل أحد، وفي جنوبها جبل عير؛ وكان عليها سور قديم وبخارجها خندق محفور؛ وهو الذي حفره النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم الأحزاب.
وفي سنة ست وثلاثين ومائتين بنى عليها إسحاق بن محمد الجعديّ سورا منيعا، وجدّده عضد الدولة بن بويه الديلميّ في سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة، وهو باق عليها إلى الآن؛ ولها أربعة أبواب: باب في الشرق يخرج منه إلى البقيع؛ وباب في الغرب يخرج منه إلى العقيق وقباء، وبين يدي هذا الباب جداول ماء جارية، وبوسطها مسجد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهو مسجد متسع إلا أنه لم يبلغ في القدر مبلغ مسجد مكة.
قال ابن قتيبة في «كتاب المعارف» : وكان على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مبنيّا باللّبن وسقفه الجريد وعمده النخل، ولم يزد فيه أبو بكر شيئا، وزاد فيه عمر، ثم غيّره عثمان وزاد فيه عثمان زيادة كبيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة وبالقصّة «٢» ، وجعل عمده من حجارة منقوشة؛ ووسعه المهدي سنة ستين ومائة؛ وزاد فيه المأمون زيادة كبيرة في سنة اثنتين ومائتين؛ ولم تزل الملوك تتداوله بالعمارة إلى زماننا.