للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجل أن أوّلها شغل؟. قال: وأمّا قوله «وآخره بغي» إن كان يريد به أن صاحب النحو إذا حذقه صار فيه زهو واستحقر من يلحن فهذا موجود في غيره من العلوم. من الفقه وغيره في بعض الناس وإن كان مكروها، وإن كان يريد بالبغي التجاوز فيما لا يحلّ فهذا كلام محال، فإن النحو إنما هو العلم باللغة التي نزل بها القرآن وهي لغة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وكلام أهل الجنة وكلام أهل السماء.

ثم قال بعد كلام طويل: وقد كان الكتّاب فيما مضى أرغب الناس في علم النحو وأكثرهم تعظيما للعلماء حتّى دخل فيهم من لا يستحقّ هذا الاسم فصعب عليه باب العدد فعابوا من أعرب الحساب، وبعدت عليهم معرفة الهمزة التي ينضمّ وينفتح ما قبلها، أو تختلف حركتها وحركة ما قبلها فيكتبون:

«يقرؤه» بزيادة ألف لا معنى لها، في كلام آخر يتعلق بالهجاء ليس هذا موضع لذكره.- أمّا التعمّق في الإعراب والمبالغة فيه فإن حكمه في الاستكراه حكم التقعّر في الغريب، وقد كانوا يذمّون من يتعاناه، ويسخرون بمن يتعاطاه. قال الأصمعي: خاصم عيسى بن عمر النحويّ «١» رجلا إلى بلال بن أبي بردة «٢» فجعل عيسى يشبع الإعراب ويتعمّق في الألفاظ، وجعل الرجل ينظر إليه، فقال له القاضي: «لأن يذهب بعض حقّ هذا أحبّ إليه من تركه الإعراب، فلا تتشاغل به واقصد بحجّتك» . وخاصم نحويّ نحويّا آخر عند بعض القضاة في دين عليه فقال: «أصلح الله القاضي! لي على هذا درهمان» - فقال خصمه: «والله أصلحك الله! إن هي إلا ثلاثة دراهم ولكنه لظهور الإعراب ترك من حقه درهما» . فهذا وشبهه قد صار مذموما والمتشبّث به ملوما؛ ولذلك كان بعض الكتاب لشدّة اقتداره على الإعراب يعرب كلامه ولا يخيّل إلى السامع أنه يعرب، فإن عرض مع التعمق في الإعراب لحن، كان

<<  <  ج: ص:  >  >>