التكلم بالإعراب عيبا، والنطق بالكلام الفصيح عيّا. قلت: والذي يقتضيه حال الزمان، والجري على منهاج الناس أن يحافظ على الإعراب في القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، وفي الشعر والكلام المسجوع، وما يدوّن من الكلام، ويكتب من المراسلات ونحوها، ويغتفر اللحن في الكلام الشائع بين الناس الدائر على ألسنتهم مما يتداولونه بينهم ويتحاورون به في مخاطباتهم؛ وعلى ذلك جرت سنّة الناس في الكلام مذ فسدت الألسنة، وتغيرت اللغة حتّى حكي أن الفرّاء مع جلالة قدره وعلوّ رتبته في النحو دخل يوما على الرشيد فتكلم بكلام لحن فيه؛ فقال جعفر بن يحيى: يا أمير المؤمنين إنه قد لحن- فقال الرشيد للفرّاء أتلحن يا يحيى؟ فقال يا أمير المؤمنين! إن طباع أهل البدو الإعراب وطباع أهل الحضر اللحن فإذا حفظت أو كتبت لم ألحن وإذا رجعت إلى الطبع لحنت- فاستحسن الرشيد كلامه. وقد قال الجاحظ في كتابه «البيان والتبيين» : «ومتى سمعت حفظك الله نادرة من كلام الإعراب فإياك أن تحكيها إلا مع إعرابها ومخارج ألفاظها؛ فإنك إن غيرتها بأن لحنت في إعرابها أو أخرجتها مخرج كلام المولّدين والبلديّين، خرجت من تلك الحكاية وعليك فضل كبير، وإن سمعت نادرة من نوادر العوامّ وملحة من ملحهم فإيّاك أن تستعمل لها الإعراب أو تتخير لها لفظا حسنا، فإن ذلك يفسد الإمتاع بها ويخرجها من صورتها التي وضعت لها ويذهب استطابتهم إياها» .
قال:«واللحن من الجواري الظّراف، ومن الكواعب النّواهد، ومن الشّوابّ الملاح، ومن ذوات الخدور أيسر وربما استملح الرجل ذلك منهنّ ما لم تكن الجارية صاحبة تكلّف» ولكن إذا كان اللحن على سجيّة سكّان البلد كما يستملحون اللّثغاء إذا كانت حديثة السنّ فإذا أسنت واكتهلت سئم ذلك الاستملاح. قال:«وممن استملح اللحن في النساء مالك بن أسماء «١» فقال في بعض نسائه: