سور حماة، وهي بعيدة من البحر، ويمرّ على فرسخ منها نهر كبير دون الفرات، وبها بساتين قليلة وليس بها عنب، وتمطر في الصيف؛ وبجامعها منارة لم يعلم في الدنيا مثلها، مبنية من حجر أحمر ودرجها نحو ثلاثمائة درجة؛ وهي كبيرة الأضلاع، عظيمة الأوضاع واسعة الأسفل وارتفاعها يقارب منارة الإسكندرية.
وذكر في «مسالك الأبصار» عن الشيخ برهان الدين بن الخلال البزيّ الكوفيّ: أن علوّها في نحو ستّمائة ذراع. وذكر عن الشيخ مبارك الأنباتي أن دلّي مدائن جمعت ولكلّ مدينة منها اسم يخصّها ودلّي واحدة منها. قال الشيخ أبو بكر ابن الخلال: وجملة ما يطلق عليه الآن اسم دلّي إحدى وعشرون مدينة.
قال الشيخ مبارك: وهي مميّلة طولا وعرضا، ويكون دور عمرانها أربعين ميلا، وبناؤها بالحجر والآجرّ، وسقوفها بالخشب، وأرضها مفروشة بحجر أبيض شبيه بالرّخام، ولا يبنى بها أكثر من طبقتين وربما اقتصر على طبقة واحدة، ولا يفرش دوره فيها بالرّخام إلا السلطان. قال: وفيها ألف مدرسة، منها مدرسة واحدة للشافعية وباقيها للحنفية، وبها نحو سبعين بيمارستانا، وتسمّى بها دور الشفاء! وبها وببلادها من الرّبط والخوانق نحو ألفين، وفيها الزيارات العظيمة، والأسواق الممتدّة، والحمّامات الكثيرة؛ وشرب أهلها من ماء المطر، تجتمع الأمطار فيها في أحواض وسيعة كلّ حوض قطره غلوة «١» سهم أو أكثر. أما مياه الاستعمال وشرب الدواب فمن آبار قريبة المستقى، أطول ما فيها سبعة أذرع. وقد صارت دلّي قاعدة لجميع الهند [ومستقرّ السلطان] وبها قصور ومنازل خاصّة بسكنه وسكن حريمه، ومقاصير جواريه وحظاياه وبيوت خدمه ومماليكه، لا يسكن معه أحد من الخانات ولا من الأمراء، ولا يكون بها أحد منهم إلا إذا حضر للخدمة ثم ينصرف كلّ واحد منهم إلى بيته. ولها بساتين من جهاتها الثلاث: الشرق، والجنوب، والشّمال على استقامة. كل خط اثنا عشر ميلا، أما الجهة الغربية فعاطلة من ذلك لمقاربة جبل لهابة. ووراء ذلك مدن وأقاليم متعدّدة.