العابدين، بن الحسين السّبط، بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، كان مقيما بسلمية من أعمال حمص، وكان أهل شيعتهم بالعراق واليمن وغيرهما يتعاهدونه بالزيارة إذا زاروا قبر الحسين عليه السّلام، فلما أدركته الوفاة عهد إلى ابنه عبيد الله وقال له: أنت المهديّ وتهاجر بعدي هجرة بعيدة وتلقى محنة شديدة، وشاع خبر ذلك في الناس، واتصل بالمكتفي خليفة بني العبّاس ببغداد فطلبه ففرّ من الشام إلى العراق، ثم لحق بمصر ومعه ابنه أبو القاسم غلاما حدثا وخاصّته، وكان أبو عبد الله الشّيعي قد بعث إليه بخبره بما فتح الله عليهم من البلاد الغربيّة فعزم على اللّحوق به، وخرج من مصر إلى أفريقيّة في زيّ التّجّار، وسار حتّى وصل إلى سجلماسة من بلاد المغرب، فورد على عاملها كتاب بالقبض عليه، فقبض عليه وحبسه هو وابنه أبا القاسم. ولما استفحل أمر أبي عبد الله الشّيعي، استخلف على أفريقيّة أخاه أبا العبّاس وارتحل إلى سجلماسة، فأخرج المهديّ وابنه من الحبس وبايع للمهديّ، ثم ارتحلوا إلى أفريقيّة ونزلوا رقادة في ربيع سنة سبع وتسعين ومائتين، وبويع للمهديّ البيعة العامّة واستقام أمره وبعث العمّال على النواحي.
وولّى عهده ابنه (أبا القاسم محمدا) ويقال نزار، وبنى مدينة المهديّة، وجعلها دار ملكه. ولما فرغ منها صعد على سورها ورمى بسهم في جهة المغرب، وقال: إلى هنا ينتهي صاحب الحمار [فكان الأمر كذلك. وذلك أنه خرج بالمغرب خارجيّ اسمه أبو يزيد يعرف بصاحب الحمار وتبعه الناس فقصد مدينة المهدية يريد فتحها فانتهى إلى حيث انتهى سهم المهدي ثم رجع من حيث أتى فعظم أمر المهدي]«١» واستولى على فاس، ودخل ملوكها من الأدارسة تحت طاعته في سنة ثمان وثلاثمائة، ومهّد المغرب، ودوّخ أقطاره، وتوفّي في ربيع الأوّل سنة ثنتين وعشرين لأربع وعشرين سنة من خلافته.
وولي بعده ابنه (القائم بأمر الله أبو القاسم) المتقدّم ذكره، وفي أيامه خرج