وأما سرقسطة والثّغر فاستولى عليهما بقية بني هود، إذ كان منذر بن يحى بن مطرّف، بن عبد الرحمن، بن محمد، بن هاشم التّجيبيّ صاحب الثّغر الأعلى بالأندلس، وكانت دار إمارته سرقسطة. ولما وقعت فتنة البربر آخر أيام بني أميّة، استقل (منذر) هذا بسرقسطة والثغر، وتلقب بالمنصور، ومات سنة أربع عشرة وأربعمائة.
وولي مكانه ابنه (يحيى) وتلقب بالمظفّر.
وكان أبو أيّوب (سليمان بن محمد) بن هود بن عبد الله بن موسى، مولى أبي حذيفة الجذاميّ من أهل نسبهم مستقلّا بمدينة (تطيلة) و (لاردة) من أوّل الفتنة.
وجدّهم هود هو الداخل إلى الأندلس، فتغلّب سليمان المذكور على المظفّر يحيى ابن المنذر وقتله سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة، وملك سرقسطة والثغر من أيديهم، وتحوّل إليها، وتلقّب بالمستعين واستفحل ملكه، ثم ملك بلنسية ودانية. وولّى على لاردة ابنه (أحمد المقتدر) ومات سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة.
فولي ابنه (أحمد) الملقّب بالمقتدر سرقسطة وسائر الثغر الأعلى، وولّى ابنه (يوسف) الملقب بالمظفر لاردة. ومات أحمد المقتدر سنة أربع وسبعين لتسع وثلاثين سنة من ملكه.
فولي بعده ابنه (يوسف المؤتمن) وكان له اليد الطّولى في العلوم الرياضية، وألف فيها التآليف الفائقة، مثل «المناظر» و «الاستكمال» وغيرهما، ومات سنة ثمان وسبعين وأربعمائة.
وولي بعده ابنه (أحمد) الملقب بالمستعين، ولم يزل أميرا بسرقسطة إلى أن مات شهيدا سنة ثلاث وخمسمائة في زحف ملك الفرنج إليها.
وولي بعده ابنه (عبد الملك) وتلقّب عماد الدولة، وزحف إليه الطاغية أدفونش ملك الفرنج فملك منه سرقسطة وأخرجه منها، واستولى عليها سنة ثنتي عشرة وخمسمائة، ومات سنة ثلاث عشرة.