الحرب فإنهم فيها سجال: تارة لهم وتارة عليهم، والنصر في الأغلب للمسلمين على قلّتهم وكثرة عدوّهم بقوّة الله تعالى. وبالبلاد البحرية أسطول الحراريق المفرّق في البحر الشامي، يركبها الأنجاد من الرّماة والرؤساء المهرة، فيقاتلون العدوّ على ظهر البحر، وهم الظافرون في الغالب، ويغيرون على بلاد النصارى بالساحل وما هو بقربه فيأسرون أهلها ذكورهم وإناثهم، ويأتون بهم بلاد المسلمين، فيبرزون بهم ويحملونهم إلى غرناطة إلى السلطان فيأخذ منهم ما يشاء ويهدي ويبيع.
وقد كانت لهم وقيعة في الإفرنج سنة تسع عشرة وسبعمائة على مرج غرناطة قتل فيها من الإفرنج أكثر من ستين ألفا وملكان: وهما بطرة وجوان عمه ففديت جيفة جوان بأموال عظيمة. وحملت جثّة بطرة إلى غرناطة، فعلّقت على باب قلعتها في تابوت، واستمرت معلّقة هناك، وجاز المسلمون غنيمة من أموالهم قلّما يذكر مثلها في تاريخ، وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ
«١» وقد تقدم في المقالة الأولى في الكلام على النوع الرابع مما يحتاج إليه الكاتب: وهو حفظ كتاب الله تعالى: أن بعض ملوك الفرنج كتب إلى ابن الأحمر:
صاحب غرناطة كتابا يهدّده فيه، فكان جوابه أن قلبه وكتب على ظهره ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ
«٢» وأما ملوك الفرنج به فعلى ترتيب سائر ممالك الفرنج مما هو غير معلوم لنا.