قال: وهم قوم كثير عددهم، ولم يملك بلادهم غيرهم من النوع الإنسانيّ، لأنهم أجبر بني حام، وأخبر بالتّوغّل في القتال والاقتحام، طول زمنهم في الأسفار، وصيد الوحش، وقتالهم إنما يكون عريا من غير لأمة «١» تدفع عنهم ولا عن خيلهم. ثم وصفهم بعد ذلك بأوصاف لولا ما هم عليه من الشرك لكانوا في الرّتبة العليا من مراتب بني آدم: فذكر أنّ المشهور عنهم مع ما هم عليه من المجاعة أنهم يقبلون الحسب ويصفحون عن الجرائم. ومن عادتهم أن من رمى سلاحه في القتال حرم قتاله، ويكرمون الضيف، ولا ينقض الصديق منهم عهد صديقه، وإذا أحبّوا أظهروا المحبة، وإذا أبغضوا أظهروا البغض، والغالب عليهم الذّكاء والفطنة وصدق الحدس، ولهم علوم وصناعات خاصّة بهم، ولهم قلم يكتبون به من اليمين إلى الشّمال كما في العربيّ، عدّة حروفه ستّة عشر حرفا، لكل حرف منها سبعة فروع، فيكون عدّتها مائة واثنين وثمانين حرفا، سوى حروف أخر مستقلّة بذاتها لا تفتقر إلى حرف من الحروف المذكورة، مضبوطة بحركات نحوية متصلة بالخط لا منفصلة عنه. ومع كونهم جنسا واحدا فلغاتهم تزيد على خمسين لسانا، ويميل الكثير من ألوانهم إلى الصّفاء، ولكل طائفة منهم وسم في وجوههم يعبر عنه بالتلعيط، بعضهم يسم في الخدّين وسما خفيفا، وأمحرا يسمون في الخدّين والجبهة إلى الأنف خطوطا طوالا. ويقال: إن أوّل بلادهم من الجهة الغربيّة بلاد التّكرور مما يلي جهة اليمن، وأوّلها من الجهة الشرقية المائلة إلى بعض الجهة الشمالية بحر الهند واليمن، وفيها يمرّ النهر المسمّى سيحون الذي يرفد منه نيل مصر. وقد عدّ منها أحد عشر إقليما من جهة الغرب بمفازة بمكان يسمّى (وادي بركة) يتوصّل منه إلى إقليم يسمّى (سحرت) ويسمّى قديما تكراي، وكان به في الزمن القديم مدينة اسمها (احسرم) بلغة أخرى من لغاتهم، وتسمّى أيضا (زرفرتا) . بها كان كرسيّ ملك النّجاشيّ، وكان مستوليا على أقاليم الحبشة. ويليه من جهة الشرق إقليم (أمحرا) الذي به الآن مدينة المملكة، ثم