والجزيرة. ومن جهة الشرق أرمينية. ومن جهة الشّمال بلاد الكرج وبحر القرم.
وذكر في «التعريف» ما يخالف ذلك فقال: إنها منحصرة بين بحرى القرم والخليج القسطنطيني، تنتهي من شرقيها إلى بحر القرم المسمّى ببحر نيطش وما نيطش، وفي الغرب إلى الخليج القسطنطيني، وتنتهي متشاملة إلى القسطنطينيّة، وتنتهي جنوبا إلى بلاد لاون: وهي بلاد الأرمن يحدّها البحر الشاميّ. وبالجملة فإنها مفارقة ما يسامت شرقيها من بلاد الأرمن المضافة إلى بلاد الشام من ممالك الدّيار المصرية. والحاصل أن هذه البلاد مبتدؤها من الشرق مما يلي المغرب حدود أرمينية في شماليّ بلاد الجزيرة وما والاها من بلاد الأرمن المضافة الآن إلى مملكة حلب، وتأخذ في جهة الغرب إلى بحر الرّوم، فيصير البحر في جانبها من الجنوب ويمتدّ عليها حتّى يتصل بالخليج القسطنطينيّ، فيدور عليها الخليج وما يتصل به من بحر القرم من جهة الغرب ثم من جهة الشمال كالجزيرة ويحيط بها البحر من جميع جوانبها خلا جهة الشرق.
وقد كانت هذه البلاد في زمان الرّوم من مضافات القسطنطينيّة وأعمالها.
قال في «مسالك الأبصار» : وقد كانت هذه البلاد على عهد الرّوم محتكّ الأعنّة، ومشتبك الأسنّة، دار القياصرة، ومكسر الأكاسرة. ثم وصفها بأتمّ الأوصاف، فقال بعد أن ذكر أنها أثرى البلاد: صخورها تتفجّر ماء، وجوّها يسخّر أنواء، تعقد دون السماء سماء، فيخصب زرعها، ويخصم المحل ضرعها، ويخصف ورق الجنّة على الحدائق ثمرها وينعها، ويطرب ورقها منظرها البديع، ويحبّرها من صناعة صنعاء الرّبيع، فلا تسمع إلا كلّ مطربة تناجي النّجيّ، وتشجي الشّجيّ، وتخلب قلب الخليّ، وتهب الغواني ما في أطواقها من الحليّ، يعجب ثوبها السّندسيّ، ونباتها المتعلّق بذيل البهار بسجافها القندسيّ. فلا تجول في أرضها إلا على أرائك، ولا تنظر إلا نساء كالحور العين وولدانا كالملائك. ثم قال بعد كلام طويل: وهي شديدة البرد لا يوصف شتاؤها، إلا أن سكّانها تستعدّ للشّتاء بها قبل دخوله، وتحصّل ما تحتاج إليه، وتدّخره في بيوتها، وتستكثر من القديد والأدهان والخمور، فتأكل وتشرب مدّة أيام الشتاء، ولا تخرج من بيوتها، ولو أرادت ذلك