ملك (قسطنطين) بن هيلاني، فجدّد بناء بوزنطية وزاد في بنائها، وسمّاها قسطنطينيّة نسبة إليه ونزل بها فصارت دار ملك للرّوم بعده إلى الآن. قال: وهي على ضفّة الخليج المنصبّ من بحر نيطش ومانيطش إلى بحر الرّوم، وقد صار هذا الخليج مشهورا بها. فيقال فيه (الخليج القسطنطينيّ) كما تقدّم. وجهاتها الثلاث من الشرق والغرب والجنوب إلى البحر، والجهة الرابعة وهي الشّمال إلى البرّ، وقطرها من الشرق إلى الغرب ثمانية وعشرون ميلا، ولها سوران من حجارة بينهما فضاء ستّون ذراعا، وعرض السّور الداخل اثنا عشر ذراعا، وارتفاعه اثنان وسبعون ذراعا، وعرض السّور الخارج ثمانية أذرع، وارتفاعه اثنان وأربعون ذراعا، وفيما بين السّورين نهر يسمّى (قسطنطينيانوس) مغطّى ببلاط من نحاس، يشتمل على اثنين وأربعين ألف بلاطة، طول كلّ بلاطة ستة وأربعون ذراعا، وعمق النهر اثنان وأربعون ذراعا. ولها نحو مائة باب أكبرها باب الذهب: وهو باب في شماليّها، طوله أحد وعشرون ذراعا، وهو مضبّب «١» بالحديد، وبه أعمدة من ذهب، وبها قصر في غاية الكبر والعلوّ، وطريقة الذي يتوصل إليه منه يعرف بالبدندون. وهو من عجائب الدنيا، يمشى فيه بين سطرين من صور مفرّغة من النّحاس البديع الصّناعة على صور الآدميين وأنواع الخيل والسّباع وغير ذلك، وفي القصر ضروب من عجائب المصنوعات.
قال في «تقويم البلدان» : وحكى لي بعض من سافر إليها أن داخلها مزدرع وبساتين، وبها خراب كثير، وأكثر عمارتها في الجانب الشرقيّ الشّمالي، وكنيستها مستطيلة، وإلى جانب الكنيسة عمود عال دوره أكثر من ثلاثة باعات، وعلى رأسه فارس وفرس من نحاس، وفي إحدى يديه حربة كبيرة، وقد فتح أصابع يده الأخرى وهو مشير بها. قيل: إن ذلك صورة (قسطنطين) باني المدينة. قال في العزيزيّ: ولها أربع عشرة معاملة.
واعلم أن هذه المملكة كانت أوّلا بيد اليونان. قال البيهقي: وهم بنو يونان