واعلم أنّه كان قد وقع في تلقيب الملوك بهذا اللّقب نزاع بين العلماء في سلطنة السلطان «جلال الدولة»«١» السّلجوقيّ في سنة تسع وعشرين وأربعمائة كما حكاه ابن الأثير في تاريخه «الكامل»«٢» وذلك أن السلطان جلال الدولة كان قد سأل أمير المؤمنين (القائم بأمر الله) الخليفة يومئذ في «٣» أن يخاطب بملك الملوك فامتنع، فكتب فتوى للفقهاء في ذلك، فكتب «٤» القاضي أبو الطيّب الطبريّ، والقاضي أبو عبد الله الصّيمريّ، والقاضي ابن البيضاويّ، وأبو القاسم الكرخيّ بجوازه، ومنع «٥» منه أقضى القضاة أبو الحسن الماورديّ، وجرى بينه وبين من أفتى بجوازه مراجعات، وخطب لجلال الدولة ب «ملك الملوك» . وكان الماورديّ من أخصّ الناس بجلال الدولة، وكان يتردّد إلى دار المملكة كلّ يوم، فلما أفتى في ذلك «٦» بالمنع، انقطع ولزم بيته خائفا، وأقام منقطعا من شهر رمضان إلى يوم النحر، فاستدعاه جلال الدولة، فحضر خائفا، فأدخله عليه وحده، وقال له: قد علم كلّ أحد أنك من أكثر الفقهاء مالا وجاها وقربا منا وقد خالفتهم فيما خالف هواي، ولم تفعل ذلك إلا لعدم المحاباة منك واتّباع الحقّ، وقد بان لي موضعك من الدّين ومكانك من العلم، وجعلت جزاء ذلك إكرامك بأن أدخلتك إليّ وحدك، وجعلت إذن الحاضرين إليك، ليتحقّقوا عودي إلى ما تحب. فشكره ودعا له وأذن لكل من حضر للخدمة بالانصراف «٧» .