قال إبراهيم بن محمد الشيبانيّ: ولم تزل الكتب تفتتح «باسمك اللهم» حتّى نزل قوله تعالى: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
«١» فاستفتح بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصارت سنّة بعده. وروى محمد بن سعد في طبقاته، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كات يكتب كما تكتب قريش «باسمك اللهمّ» حتّى نزل عليه وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها
«٢» . فكتب باسم الله، حتّى نزل قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ
«٤» فكتب «بسم الله الرحمن الرحيم» . وذكر في «موادّ البيان» نحوه.
وعن سفيان الثوريّ أنه كان يكره للرجل أن يكتب شيئا حتّى يكتب «بسم الله الرحمن الرحيم» . وعن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يكره أن يكتب كتابا أو غيره حتّى يبدأ ب «بسم الله الرحمن الرحيم» . وعن سعيد بن جبير أنه كان يقول: لا يصلح كتاب إلا أن يكون أوّله «بسم الله الرحمن الرحيم» .
وهذه الأحاديث والآثار كلّها ظاهرة في استحباب الابتداء بالبسملة فيما يكتب به من أصناف المكاتبات والولايات وغيرها، وعلى ذلك مصطلح كتّاب الإنشاء في القديم والحديث، إلا أنهم قد اصطلحوا على حذفها من أوائل التّواقيع والمراسيم الصّغار، كالتي على ظهور القصص ونحوها، وكأنهم أخذوا ذلك من مفهوم ما رواه أبو داود وابن ماجة في سننهما وأبو عوانة الأسفرايينيّ في مسنده عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:«كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع» يعني ناقص البركة، وما يكتب في التواقيع والمراسيم الصغار ليس من الأمور المهمّة فناسب ترك البسملة في أوّلها