الألفاظ ومواقعها؛ ليرتّبها ويفرق بينها فرقا يقفه على الواجب وينتهي به إلى الصواب، فيخاطب كلّا في مكاتبته بما يستحقّه من الخطاب؛ فإنه قبيح به أن يكون خطابه أوّلا خطاب الرئيس للمرؤوس، ويتبع ذلك بخطاب المرؤوس للرئيس، أو يبدأ بخطاب المرؤوس للرئيس ثم يتبعه بخطاب الرّئيس للمرؤوس.
قال: ومتى استمرّ الكاتب على هذه المخالفة من الألفاظ والمناقضة، نقصت المعاني، ورذلت الألفاظ، وسقطت المقاصد، وكان الكاتب قد أخلّ من الصّناعة بمعظمها، وترك من البلاغة غاية محكمها. بل يجب أن يبدأ بخطاب رئيس أو نظير أو مرؤوس، ويكون ما يتخلل مكاتبته من الألفاظ على اتساق إلى آخرها واطّراد من غير مخالفة بينها ولا مضادّة ولا مناقضة.
فمن ذلك الفرق بين أصدرنا هذه المكاتبة أو أصدرناها، وبين أصدرت، وبين صدرت. فأصدرناها أعلى بالنسبة إلى المكتوب إليه؛ للتصريح فيها بالضمير العائد على الرئيس التي صدرت المكاتبة عنه، إذ الشيء يشرف بشرف متعلّقه. ويلي ذلك في الرتبة أصدرت، لاقتضائها إصدارا في الجملة، والإصدار لا بدّ له من مصدر، وذلك المصدر هو الرئيس الصادرة عنه في الحقيقة. وإنما كانت دون الأولى للتصريح بالضمير هناك دون هنا. ودون ذلك في الرتبة صدرت لاقتضاء الحال صدورها بنفسها دون دلالة على المصدر أصلا.
ومن ذلك الفرق بين «ونبدي لعلمه» وبين «ونوضّح لعلمه» : فنبدي لعلمه أعلى بالنسبة إلى المكتوب إليه؛ لأن الإبداء يرجع في المعنى إلى إظهار شيء خفيّ، والإيضاح يرجع إلى بيان مشكل، وحصول الإشكال المحتاج إلى الإيضاح ربما دلّ على بعد فهم المخاطب عن المقصود، بخلاف إظهار الخفيّ فإنه لا ينتهي إلى هذا الحدّ.
ومن ذلك الفرق بين «علمه الكريم» وبين «علمه المبارك» فالكريم