أتعب مطلبا وأصعب مرتفى من الكتب الابتدائية، وأن فيها تظهر مهارة الكاتب وحذقه، لا سيما إذا كان الخطاب محتملا «١» للاعتذار والاعتلال عن امتثال الأوامر والنواهي، والتّورية عن نصوص الأحوال، والإعراض عن ظواهرها، قائدا إلى استعمال المغالطة، موجبا للانفصال عن الاحتجاج والإلزام، ونحو ذلك مما يؤدّي إلى الخلاص من المكاره.
واحتجّوا لترجيح ذلك بوجوه.
منها- أن المبتديء محكّم في كتابه، يبتديء بألفاظه كيف شاء، ويقطعها حيث يشاء، ويتصرّف في التقديم والتأخير، والحذف والإثبات والإيجاز والإسهاب؛ ويبني على أساس يؤسسه لنفسه، والمجيب ليس له تقديم ولا تأخير، وإنما هو تابع لغرض المبتديء، بان على أساسه.
ومنها- أنّ المجيب- إذا كان جوابه محتملا للإشباع والتوسّع- مضطرّ إلى اقتصاص ألفاظ المبتديء واتّباعها للإجابة عنها، وذلك يؤدّي إلى تصفّح كلام المبتديء والمجيب ويصل ما بين الكلامين، لأن الكلامين يتقابلان فلا تخفى رتبتهما والفاضل منهما من الرّذل، وهذا مرفوع عن المبتديء.
ومنها- أن تأليف الكلام وانتظامه واتّساقه والتئامه يقدر منها المبتديء على ما لا يقدر عليه المجيب؛ لأن الجواب يفصّل أجزاء الكلام ويبدّد نظامه ويقسّمه أقساما، لمكان الحاجة إلى استئناف القول من الفصل بعد الفصل بقول وأمّا كذا وأمّا كذا، فظهور الصورة المستحسنة، في المتصل أكثر من ظهورها في المنفصل.
أما إذا كان الجواب مقتضبا مبنيّا على امتثال مأمور، أو انتهاء عن منهيّ عنه، فإنه سهل المرام، قريب المتناول؛ لأنه إنما يشتمل على ذكر وصول الكتاب والعمل بما فيه.