للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أكمل الدعاء وأفخمه؛ لأنّ كل نعمة لا ينتفع بها إلا مع طول البقاء. ثم قال:

والمعنى في الدّعاء في المكاتبات التودّد والتحبّب؛ وقد أمر صلّى الله عليه وسلّم المسلمين أن يكونوا إخوانا، ومن أخوّتهم ودّ بعضهم بعضا. وكذلك القول بما يؤكّد الأخوّة بينهم والمودّة من بعضهم لبعض، وإذا قال له ذلك، كان قد بلغ من قلبه نهاية مبلغ مثله منه، ويكون من قال ذلك قد علم من قلبه في شأنه ما يكون من قلب مثله. وقد قال الشيخ محيي الدين النوويّ: من قال لصاحبه- حفظا لمودّة-:

«أدام الله لك النّعم» ونحو ذلك فلا بأس به.

وأمّا ما لم يتضمن معنى الدوام والبقاء، كالعزّ والكرامة، فقد روي عن كعب بن مالك رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من رأى منكم مقتل حمزة؟

فقلت: أعزّك الله! أنا رأيته» . وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل جرير بن عبد الله على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فضنّ الناس بمجالسهم فلم يوسّع له أحد، فرمى له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببردته «١» وقال: اجلس عليها يا جرير، فتلقّاها بوجهه ونحره فقبّلها ثم ردّها على ظهره وقال: أكرمك الله يا رسول الله كما أكرمتني» فقد دعا له صلّى الله عليه وسلّم كعب بن مالك بالعز، وجرير بن عبد الله بالكرامة ولم ينكر ذلك على واحد منهما.

وذهب آخرون إلى أنه لا تجوز المكاتبة بالدّعاء، سواء تضمّن معنى الدوام والبقاء أم لا؛ لأنه خلاف ما وردت به السنة وجرى عليه اصطلاح السّلف.

وفصّل بعضهم فقال: «إن كان الدعاء مما لا يتضمّن معنى الدوام والبقاء نحو «أكرمك الله بطاعته» و «تولّاك بحفظه» و «أسعدك بمعرفته» و «أعزّك بنصره» جاز؛ لحديثي كعب بن مالك وجرير بن عبد الله المتقدّمين. وإن كان مما

<<  <  ج: ص:  >  >>