«خطب أبو جعفر المنصور، فحمد الله، وأثنى عليه؛ ثم قال: أيها الناس اتقوا الله! فقام إليه رجل من عرض الناس، فقال أذكّرك الذي ذكّرتنا به، فأجابه أبو جعفر بلا فكر ولا رويّة: سمعا لمن ذكّر بالله، وأعوذ بالله أن أذكّرك به وأنساه فتأخذني العزّة بالاثم! لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين؛ وأما أنت فو الله ما الله أردت بهذا، ولكن ليقال قام فقال، فعوقب فصبر، وأهون بها لو كانت؛ وأنا أنذركم أيها الناس أختها، فإن الموعظة علينا نزلت، وفينا أنبثّت» . ثم رجع إلى مكانه من الخطبة.
ومن ذلك: ما يحكى عن الربيع «١» قال: كنا وقوفا على رأس المنصور، وقد طرحت للمهدي بن المنصور وسادة إذ أقبل صالح بن المنصور، وكان قد رشّحه أن يولّيه بعض أمره، فقام بين السّماطين «٢» والناس على قدر أنسابهم ومواضعهم، فتكلم فأجاد، فمد المنصور يده إليه، ثم قال يا بنيّ! واعتنقه، ونظر في وجوه أصحابه هل فيهم أحد يذكر مقامه ويصف فضله، فكلهم كره ذلك وهاب المهديّ، فقام شبّة بن عقال التميميّ «٣» ، فقال: «لله درّ خطيب قام عندك يا أمير المؤمنين! ما أفصح لسانه! وأحسن بيانه! وأمضى جنانه! وأبلّ ريقه! وأسهل طريقه!. وكيف لا يكون كذلك وأمير المؤمنين أبوه، والمهديّ أخوه، وهو كما قال زهير بن أبي سلمى:
يطلب شأو امر أين قدّما حسنا ... بذّا الملوك وبذّا هذه السّوقا
هو الجواد فإن يلحق بشأوهما ... على تكاليفه فمثله لحقا
أو يسبقاه على ما كان من مهل ... فمثل ما قدّما من صالح سبقا