شمس! عند تفاوض المفاخر ودراسة المناقب! فمن لصلاح ما أفسدت، ورتق «١» ما فتقت؟ هيهات خمشت الدّربة وجه التصبّر بك، وأبت الجناية إلا تحدّرا على الألسن، وحلاوة على المناطق! ما أربح فائدة نالوها، وفرصة انتهزوها! انتبه يزيد للّفظة، وشاور الفكرة، ولا تكن إلى سمعك أسرع من معناها إلى عقلك. واعلم أنّ الذي وطّأك وسوسة الشّيطان، وزخرفة السّلطان، مما حسن عندك قبحه، واحلولى عندك مرّه، أمر شركك فيه السّواد ونافسكه الأعبد، لا لأثرة تدّعيها أو حبتها لك الإمرة، وأضعت بها من قدرك، فأمكنت بها من نفسك، فكأنك شانيء «٢» نفسك، فمن لهذا كله؟
اعلم يا يزيد، أنك طريد الموت وأسير الحياة، بلغنى أنك اتخذت المصانع والمجالس للملاهي والمزامير كما قال تعالى: أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ
«٣» وأجهرت الفاحشة حتّى اتخذت سريرتها عندك جهرا.
اعلم يا يزيد، أن أوّل ما سلبكه السّكر معرفة مواطن الشّكر لله على نعمه المتظاهرة، وآلائه المتواترة، وهي الجرحة العظمى، والفجعة الكبرى، ترك الصّلوات المفروضات في أوقاتها، وهو من أعظم ما يحدث من آفاتها، ثم استحسان العيوب، وركوب الذّنوب، وإظهار العورة، وإباحة السّرّ. فلا تأمن نفسك على سرّك، ولا تعقد على فعلك. فما خير لذة تعقب الندم، وتعفّي الكرم؟ وقد توقّف أمير المؤمنين بين شطرين من أمرك، لما يتوقّعه من غلبة الآفة واستهلاك الشّهوة. فكن الحاكم على نفسك، واجعل المحكوم عليه ذهنك ترشد إن شاء الله تعالى. وليبلغ أمير المؤمنين ما يردّ شاردا من نومه، فقد أصبح