وربما افتتحوها بغير ذلك. فأما افتتاحها بلفظ من فلان إلى فلان فكان يكتب عنهم في أوّل دولتهم كما كان يكتب عن خلفاء بني أميّة، وهو «من عبد الله فلان أمير المؤمنين، سلام عليك، فإنّ أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو» ثم يتخلّص إلى المقصود بلفظ أما بعد. إلا أنهم زادوا بعد اسم الخليفة لفظ «الإمام الفلاني» بلقب الخلافة، فكان يقال:«من عبد الله الإمام الفلاني أمير المؤمنين» فلما صارت الخلافة إلى الرشيد زاد بعد التحميد «ويسأله أن يصلّي على محمد عبده ورسوله صلّى الله عليه وسلّم» فلما ولّي ابنه الأمين اكتنى في كتبه وتبعه من بعده من الخلفاء على ذلك.
وقد اختلف في تقديم الاسم والكنية واللّقب، والذي رتّبه أبو جعفر النحاس في «صناعة الكتّاب» تقديم الاسم على الكنية وتقديم الكنية على اللقب، مثل أن يقال:«من عبد الله فلان أبي فلان الإمام الفلاني أمير المؤمنين» ثم قال: وهذه المكاتبة هي التي اصطلح عليها في الأمور السلطانية التي تنشأ بها الكتب من الدواوين، إلا أن بعض العلماء قد خالفهم في هذا، وقال: الأولى أن يبدأ باللقب، مثل أن يقال «من الراضي» أو «المتوكل» وما أشبه ذلك، كما قال الله جل وعز: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ «١»
وذلك لأن اللقب لا يشاركه فيه غيره، فكان أولى أن يبدأ به.
وترتيب المكاتبة على ما ذكره في «صناعة الكتّاب» أن يكتب: «من عبد الله فلان أبي فلان الإمام الفلاني أمير المؤمنين، سلام عليك، فإن أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، ويسأله أن يصلّي على محمد عبده ورسوله» . ثم يفصل ببياض يسير، ويكتب «أما بعد فإن كذا وكذا» ؛ ثم يأتي على المعنى، فإذا فرغ من ذلك وأراد أن يأمر بأمر، فصل ببياض يسير، ثم يكتب:«وقد أمر أمير المؤمنين بكذا ورأى أن يكتب إليك بكذا» ، فيؤمر بامتثال ما أمر به والعمل بحسبه، ثم يفصل ببياض ويكتب: فاعلم ذلك من رأي أمير