وحشتهم، فأصبحوا آمنين مطمئنّين مقيمين في ديارهم، متمكّنين في أوطانهم، بعد القتل والخوف والتشريد وطول العناء، وتتابع البلاء، منّا من الله عز وجلّ على أمير المؤمنين بما خصّه به، وصنعا له فيما وفّقه لطلبه، وكرامة زادها فيما أجرى على يده. فالحمد لله كثيرا كما هو أهله، ونرغب إلى الله في تمام نعمه ودوام صنعه، وسعة ما عنده بمنّه ولطفه. ولا يعلم أمير المؤمنين- مع كثرة أعداء المسلمين وتكنّفهم إيّاه من أقطاره، والضغائن «١» التي في قلوبهم على أهله، وما يترصّدونه من العداوة، وينطوون عليه من المكايدة، إذ كان هو الظاهر عليهم، والآخذ منهم- عدوّا كان أعظم بليّة، ولا أجلّ خطبا، ولا أشدّ كلبا، ولا أبلغ مكايدة، ولا أرمى بمكروه، من هؤلاء الكفرة الذين يغزوهم المسلمون، فيستعلون عليهم، ويضعون أيديهم حيث شاءوا منهم، ولا يقبلون لهم صلحا، ولا يميلون معهم إلى موادعة، وإن كان لهم على طول الأيّام وتصرّف الحالات وبعض ما لا يزال يكون من فترات ولاة الثّغور أدنى دولة من دولات الظّفر وخلسة من خلس الحرب، كان بما لهم من خوف العاقبة في ذلك منغّصا لما تعجّلوا من سروره، وما يتوقعون من الدوائر بعد، مكدّرا لما وصل إليهم من فرحة.
فأما اللعين بابك وكفرته، فإنهم كانوا يغزون أكثر مما يغزون، وينالون أكثر مما ينال منهم، ومنهم المنحرفون عن الموادعة، المتوحّشون عن المراسلة، ومن أديلوا من تتابع الدول، ولم يخافوا عاقبة تدركهم، ولا دائرة تدور عليهم. وكان مما وطّأ ذلك ومكّنه لهم أنهم قوم ابتدؤا أمرهم على حال تشاغل السلطان، وتتابع من الفتن، واضطراب من الحبل، فاستقبلوا أمرهم بعزّة من أنفسهم، وضعف واستثارة ممّن باراهم، فأجلوا من حولهم لتخلص البلاد لهم، ثم أخربوا البلاد ليعزّ مطلبهم، وتشتدّ المؤونة «٢» وتعظم الكلفة، ويقووا