ومضايق الطّرق وخلف الأودية ومن وراء الأنهار، وحيث لا تنالهم الخيل، حصنا للمطاولة وانتظارا للدوائر، فكادهم الله عند ذلك وهو خير الكائدين، واستدرجهم حتّى جمعهم إلى حصنهم معتصمين فيه عند أنفسهم، فجعلوا اعتصامهم لحين «١» لهم، وصنع لأوليائه وإحاطة منه به تبارك وتعالى، فجمعهم وحصرهم لكي لا تبقى منهم بقيّة ولا ترجى لهم عاقبة، ولا يكون الدين إلا لله، ولا العاقبة إلا لأوليائه، ولا التعس والنّكس «٢» إلا لمن خذله.
فلما حصرهم الله وحبسهم عليهم ودانتهم مصارعهم، سلّطهم الله عليهم كيد واحدة، يختطفونهم بسيوفهم، وينتظمونهم برماحهم، فلا يجدون ملجأ ولا مهربا. ثم أمكنهم من أهاليهم وأولادهم ونسائهم وحرمهم وصيّروا الدار دارهم والمحلة محلّتهم، والأموال قسما بينهم، والأهل إماء «٣» وعبيدا. وفوق ذلك كلّه ما فعل بهؤلاء وأعطاهم من الرحمة والثواب، وما أعدّ لأولئك من الخزي والعقاب، وصار الكافر بابك لا فيمن قتل فسلم من ذلّ الغلبة، ولا فيمن نجا فعاين في الحياة بعض العوض، ولا فيمن أصيب، فيشتغل بنفسه عن المصيبة بما سواه، لكنه سبحانه وتعالى أطلقه وسدّ مذاهبه، وتركه ملدّدا «٤» بين الذّل والخوف، والغصّة والحسرة، حتّى إذا ذاق طعم ذلك كلّه وفهمه، وعرف موقع المصيبة، وظنّ مع ذلك كلّه أنه على طريق من النجاة، فأضرب الله وجهه، وأعمى بصره، وسدّ سبيله، وأخذ بسمعه وبصره، وحازه إلى من لا يرقّ له، ولا يرثي لمصرعه، فامتثل ما أمر به الأفشين (حيدر بن طاوس «٥» )