قد تكوّنت من ليل ونهار، وبرزت كصور الأفيلة لكنّها على وجه الماء كالأطيار، وما عمدنا إلى مكاتبتك إلّا للإنذار، ولا احتجنا إلى مخاطبتك إلا للإعذار، فأقلع عمّا أنت بصدده من الخيلاء والإعجاب، وانتظم في سلك من استخلفناه فأخذه بيمينه ما أعطي من كتاب، وصن بالطاعة من زعمت أنهم مقيمون تحت لواء علمك، ومنتظمون في سلك أوامر كلمك، وداخلون تحت طاعة قلمك. فلسنا نشنّ الغارات على من نطق بالشهادتين لسانه وقلبه، وامتثل أوامر الله المطاعة عقله ولبّه. ودان بما يجب من الدّيانة، وتقلّد عقود الصّلاح والتحف مطارف الأمانة. ولسنا ممنا يأمر بتجريد سيف إلا على من علمنا أنه خرج عن طاعتنا، ورفض كتاب الله ونزع عن مبايعتنا. فأصدرنا مرسومنا هذا إليه نقصّ عليه من أنباء حلمنا ما أطال مدّة دولته، وشيّد قواعد صولته، ونستدعي منه رسولا إلى مواقفنا الشريفة، ورحاب ممالكنا المنيفة؛ لينوب عنه في قبول الولاية مناب نفسه، وليجن بعد ذلك ثمار شفقاتنا إن غرس شجر طاعتها. ومن سعادة المرء أن يجني ثمار غرسه، بعد أن يصحبه من ذخائر الأموال ما كثر قيمة وخفّ حملا، وتعالى رتبة وحسن مثلا، واشرط على نفسك في كل سنة قطيعة ترفعها إلى بيت المال. وإيّاك ثم إيّاك! أن تكون على هذا الأمر ممن مال، ورتّب جيشا مقيما تحت علم السلطان الأجلّ الملك الناصر للقاء العدوّ المخذول التّتار، ألحق الله أوّلهم بالهلاك وآخرهم بالبوار «١» . وقد علمت تفاصيل أحوالهم المشهورة، وتواريخ سيرهم المنكورة، فاحرص على أن يخصّك من هذا المشرب السائغ أوفر نصيب، وأن تكون ممن جهّز جيشا في سبيل الله فرمى بسهم فله أجر كان مصيبا أو [غير] مصيب، ليعود رسولك من دار الخلافة بتقاليدها وتشاريفها حاملا أهلّة أعلامنا المنصورة، شاكرا برّ مواقفنا المبرورة.
وإن أبى حالك إلا أن استمرّيت على غيّك، واستمريت مرعى بغيك، فقد منعناك التصرّف في البلاد، والنظر في أحكام العباد، حتّى تطأ خيلنا العتاق