سلام عليك، فإنّ أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، ويسأله أن يصلّي على جده محمد نبيه ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، وعلى الأئمة من عترته الأبرار، الطاهرين المطهرين وسلّم تسليما.
أما بعد، فالحمد لله الملك العظيم، العليم الحليم، ذي الطّول الكريم، والمنّ الجسيم، والعزّ المديد، والمحال الشّديد، وليّ الحقّ ونصيره وما حق الباطل ومبيره، المتكفّل بالنصر والتمكين، والتأييد والتحصين، لأوليائه المتقين وخلفائه المصطفين الذابّين عن دينه، والقائمين بحقّه، والدالين على توحيده؛ الحاكم بإعلاء كلمتهم، وإفلاج حججهم وظهورهم على أعدائه المشاقّين له، الضالّين عن سبيله، الملحدين في آياته، الجاحدين نعمه، المنزّل رجزه، وقوارع بأسه على من عصاه فحادّه، وصدّ عنه فنادّه، القاضي بالعواقب الحسنى والفوز والنعماء لمن أسلم وجهه له وتوكل عليه في أمره، وفوّض إليه حكمه كلّ ذلك فضلا منه وعدلا، وقضاء فصلا، وهو الحكم العدل الذي لا يظلم الناس شيئا ولكنّ الناس أنفسهم يظلمون. فتبارك الله الغالب على أمره الفرد في ملكه، سبحانه وتعالى علوّا كبيرا. والحمد لله الذي ابتعث عبده المصطفى، وأمينه المرتضى، من أكرم سنخ «١» ونبعة، وأظهر ملّته وشرعه في أفضل دهر وعصر، وأنزل عليه كتابا من وحيه حكيما غير ذي عوج قيّما بديع النظام، داخلا في الأفهام، خارجا عن جميع الكلام، ليس كسجع الكهّان، ولا كتحبير ذوي اللسن والبيان، وقد تفرّقت بالأمم أهواؤهم، وتوزّعتهم آراؤهم، فضلّت أحلامهم وعميت أفهامهم واستحوذ عليهم الشيطان، فعبدوا الأصنام والأوثان، جهلا بعبادة الرحمن، فدعاهم إلى الإقرار بإلههم، وعرّفهم وحدانية ربّهم وكان حريصا على إرشادهم، جادّا في الاجتهاد، هاجرا للدّعة والمهاد، صابرا على تكذيب المشركين، وتفنيد الملحدين، ينصح لهم فيستكبرون، ويهديهم فيضلّون، ويحذّرهم فيستهزئون، حتّى ظهر دين الله فسما، وطمس