فضرب معنا مصافّ قتّلت فيه فرسانه، وجدّلت شجعانه، وخذلت صلبانه، وساوى الضرب بين حاسر القوم ودارعهم، وبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم، فهنالك لاذوا بالخنادق يحفرونها، وإلى الستائر ينصبونها، وأخلدوا إلى الأرض متثاقلين، وحملوا أنفسهم على الموت متحاملين، وظاهروا بين الخنادق، وراوحوا بين المجانق «١» ، وكلما يجنّ القتل من عددهم مائة أوصلها البحر ممن يصل وراءه بألف، وكلّما قلّوا في أعيننا في زحف، قد كثروا فيما يليه من الزّحف، ولو أن دربة عساكرنا في البحر كدربتها في البر، لعجّل الله منهم الانتصاف واستقلّ واحدنا بالعشرة ومائتنا بالألف. وقد اشتهر خروج ملوك الكفّار في الجمع الجمّ، والعدد الدّهم، كأنّهم إلى نصب يوفضون، وعلى نار يعرضون، ووصولهم على جهة القسطنطينية- يسّر الله فتحها- على عزم الائتمام إلى الشام في منسلخ الشتاء ومستهلّ الصيف، والعساكر الإسلامية لهم تستقبل، وإلى حربهم تنتقل، فلا يؤمن على ثغور المسلمين أن يتطرّق العدوّ إليهم وإليها، ويفرغ لها ويتسلّط عليها، والله من ورائهم محيط. وإذا قسمت القوّة على تلقّي القادم وتوقّي المقيم، فربّما أضرّ بالإسلام انقسامها، وثلمه والعياذ بالله انثلامها.
ولما مخض النظر زبده، وأعطى الرأي حقيقة ما عنده، لم نر لمكاثرة البحر إلا بحرا من أساطيله المنصورة فإنّ عددها واف، وشطرها كاف، ويمكنه- أدام الله تمكينه- أن يمدّ الشام منه بعدّ كثيف، وحدّ رهيف، ويعهد إلى واليه أن يقيم إلى أن يرتبع ويصيف، ويمكنه أن يكفّ شطرا لأسطول طاغية صقلّيّة ليحصّ جناح قلوعه أن تطير، ويعقل عباب بحره أن يغير، ويعتقله في جزيرته، ويجري إليه قبل جريرته، فيذهب سيدنا وعقبه بشرف ذكر لا تردّ به المحامد على عقبها، ويقيم على الكفر قيامة يطلع بها شمس النصر من مغربها، فإذا نفذ طريقه وعلم الناس بموفده، أوردوا وأصدروا في مورده، وشخص