غمّا وكربا، وجبل الفتح الذي هو باب هذه الدار، وسبب الاستعداء على الأعداء والانتصار، ومسلك الملّة الحنيفيّة إلى هذه الأقطار، قد رماه ببوائقه، وصيّر ساحته مجرّ عواليه ومجرى سوابقه؛ واتّخذه دار مقامه، وجعله شغل يقظته وحلم منامه، ويسّر له ما يجاوره من المعاقل إملاء [من الله] لأيامه؛ فاستقرّ به القرار، واطمأنّت الدار، وطال الحصار وعجزت عن نصره الخيل والأنصار، ورجمت الظّنون «١» وساءت الأفكار، وشجر «٢» نظّار القلوب الاضطرار، إلى رحمة الله والافتقار، فجبر الله الخواطر لمّا عظم بها الانكسار، ودار بإدالة «٣» الإسلام الفلك الدّوّار، وتمخّض عن عجائب صنع الله الليل والنهار، وهبّت نواسم الفرج، عاطرة الأرج، ممن يخلق ما يشاء ويختار، لا إله إلا هو الواحد القهّار.
وبينما نحن نخوض من الشّفقة على ذلك المعقل العزيز على الإسلام لجّة مترامية المعاطب «٤» ، ونقتعد صعبا لا يليق بالراكب؛ ولولا التعلّق بأسبابكم في أنواء تلك الغياهب، وما خلص إلى هذه البلاد من مواهبكم الهامية المواهب، ومواعيدكم الصادقة ومكارمكم الغرائب، وكتبكم التي تقوم عند العدوّ مقام الكتائب، وإمدادكم المتلاحق تلاحق العظام الجنائب «٥» ، لما رجع الكفر بصفقة الخائب، إذ تجلّى نور الفرج من خلال تلك الظّلمة، وهمت سحائب الرحمة والنّعمة على هذه الأمّة، ورمى الله العدوّ بجيش من جيوش قدرته أغنى عن العديد والعدّة، وأرانا رأي العيان لطائف الفرج من بعد الشّدّة، وأهلك الطاغية حتف أنفه، وقطع به عن أمله قاطع حتفه، وغالته أيدي المنون في غيله «٦» ، وانتهى