فلجريهم على أسلوب العرب، وركوب جادّتهم؛ وأما المحدثين فللطافة مأخذهم، واستطراف ما يأتون به مما يجري مجرى النثر والنظم: من الأمثال الموضوعة على ألسنة الحيوان عن العرب وغيرهم؛ فيستشهد به في موضعه، ويورده في مكانه عارفا بأصل ذلك وما بني عليه، وذلك أن المثل له مقدّمات وأسباب قد عرفت، وصارت مشهورة بين الناس معلومة عندهم؛ وهذه الألفاظ الواردة في المثل دالة عليها، معبرة عن المراد بها، بأخصر لفظ وأوجزه، ولولا تلك المقدّمات المعلومة، والأسباب المعروفة، لما فهم من هذه الألفاظ القلائل تلك الوقائع المطوّلات؛ وأما الأمثال الواردة نثرا، فإنها كلمات مختصرة، تورد للدلالة على أمور كلية مبسوطة، كما تقدّمت الإشارة إليه، وليس في كلامهم أوجز منها. ولما كانت الأمثال كالرموز والإشارة التي يلوّح بها على المعاني تلويحا، صارت من أوجز الكلام وأكثره اختصارا. وحيث كانت بهذه المكانة لا ينبغي الإخلال بمعرفتها، قال صاحب العقد «والأمثال هي وشي الكلام، وجوهر اللفظ، وحلي المعاني، والتي تخيّرتها العرب، وقدّمتها العجم، ونطق بها في كل زمان على كل لسان، فهي أبقى من الشعر، وأشرف من الخطابة، لم يسر شيء كسيرها، ولا عمّ عمومها، حتّى قالوا:
أسير من مثل، قال الشاعر:
ما أنت إلّا مثل سائر ... يعرفه الجاهل والخابر
وقد ضرب الله تعالى الأمثال في كتابه فقال ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ
«١» ، وقال تعالى ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً
«٢» الآية، وقال وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ