الأعداء ببرّه الجابر وقهره الجبّار؛ وقاد الجيوش إلى أن فتح الله على يديه الشريفتين معاقل الكفّار، بأمره الجاري على الرّقاب وعسكره الجرّار؛ ومنحه خدمة الحرمين الشريفين اللذين لم يزل لهما منه الانتصاب وبهما له الانتصار.
نحمده على أن جعل مملكتنا الشريفة هي محلّ الإمامة العباسية فلا جحود ولا إنكار، ومرتبتنا المنيفة بما عهد به إلينا أمير المؤمنين إلى قيام الساعة عليّة المقدار؛ ونشكره على أن أورثنا ملك أسلافنا الشّهداء فأقرّ العيون وسرّ الأسرار، وجعل السلطنة المعظمة في بيتنا المكرّم تنتقل تنقّل البدور في بروجها إلا أنها آمنة من السّرار «١» . ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لم نزل قائمين بنصرتها، قانتين بالإخلاص في كلمتها. لنعدّ بذلك من الأبرار، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله المؤيّد بملائكته، المخصوص بنبوّته ورسالته، الذي عظّم الله قدره على سائر الرّسل كما جاءت النصوص والأخبار، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه أولي الفضل الدّار، صلاة دائمة باقية بدوام الليل والنهار، وسلّم.
أما بعد، فإنّ قلوب الأولياء وإن تناءت الأجسام متعارفة بالائتلاف، متقاربة على بعد الديار حيث لا تناكر بينها ولا اختلاف، لا سيّما ملوك الإسلام، الذين هم متّحدون بالمصافة والاستسلام؛ فإن سرائرهم لم تزل متدانية، وضمائرهم متكافية؛ هذا والمحبّة لبيته «٢» الكريم قديمة، والمودّة بين الأسلاف لم تزل مستديمة؛ فلم نكن ورثنا ذلك عن كلالة «٣» ، بل تبعنا فيه سبيل السلف الصالح على أحسن حالة: لما هو محكم من عقود الاتّحاد والولاء، حيث المحبة في الآباء صلة في الأبناء؛ وكان لنا مدّة مديدة وقد تأخرت رسلنا عن حضرته ولم تصدر من جهتنا الشريفة، كذلك ولا وردت رسل من جهته؛ ولم يشغلنا عن ذلك إلا