في خلد أن مثله يتهيّأ في المدد الطويلة، ولا تشكّل في ذهن أنه سيدرك بحول ولا حيلة؛ وهو النّصر المرتّب على حركتنا التي طوى الله لركابنا فيها المراحل، وألقى بدرر عساكرنا في بحر الحديد المالح إلى الساحل؛ وهجومنا على البلاد الفرنجيّة:
وهي طرابلس وصافيتا وأنطرسوس ومرقيّة والمرقب، كما يهجم الغيث؛ ومصادمتنا صدورها كما يصدم الليث، وسلوكنا منها حيث لم يبق حيث؛ وما جرى في هذه الوجهة من إغارات أحسنت متقلّب الأعنّة؛ ومتعلّق السيوف ومخترق الأسنّة؛ وما تهيّأ منها من فتوح صافيتا التي هي أمّ البلاد، ومنتجع الحاضر والباد؛ وكونها قدّمت نفسها في جملة ما يقرى به الضيف، وقالت: هذا فتوح حضر على هذا الفتوح لهذا السيف؛ وتلطّفت في مسح أطراف الأمان، وطلبت شكرا ومنّا شكران؛ وأحضرت إلينا من أهلها الوقت وهدّت السيوف في أعناقهم فتشبّهت بها الأغلال، وأنفت أيمان أهل الإيمان من مصافحتهم لأنهم أصحاب الشّمال؛ فأطلقهم سيفنا وأمله يمتدّ إلى من هو أعزّ منهم مالا، وأكثر احتفالا، وأبزّ مآلا، وأهزّ سيوفا قصارا ورماحا طوالا؛ واستطار منها شرار نار الحرب الموقدة إلى غيرها من القلاع، واستطال إلى سواها من الحصون منهم الباع؛ فلا حصن إلا وافترّت ثنيّته عن نصر مسهّل، وفتح معجل ومؤجّل.
فمن ذلك حصن الأكراد الذي تاه بعطفه على الممالك والحصون، وشمخ بأنفه عن أن تمتدّ إلى مثله يد الحرب الزّبون «١» ؛ وغدا جاذبا بضبع «٢» الشام، وآخذا بمخانق بلاد الإسلام؛ وشللا في يد البلاد، وشجا في صدر العباد؛ تنقضّ من عشّه صقور الأعداء الكاسرة، وترتاع من سطوتها قلوب الجيوش الطائرة؛ وتربض بأرباضه آساد تحمي تلك الآجام، وتفوّق من قسيّه سهام تصمي مفوّقات السّهام؛ تعطيه الملوك الجزية عن يد وهم صاغرون، ويصطفي كرام أموالهم وهم