«١» وظننّا أنهم حيث تحقّقوا كنه الحال، وآل بهم الأمر إلى ما آل، أنهم تداركوا الفارط من أمرهم، ورتقوا ما فتقوا بغدرهم، ووجّه إلينا وجه عذرهم، فإنهم ربما سيّروا إلينا حال دخولهم إلى الدّيار المصرية، رسلا لإصلاح تلك القضية، فبقينا بدمشق غير مثحثحين «٢» ، وتثبّطنا تثبّط المتمكّنين، فصدّهم عن السعي في صلاح حالهم التّواني، وعلّقوا نفوسهم عن اليقين بالأماني، ثم بلغنا بعد عودنا إلى بلادنا أنهم ألقوا في قلوب العساكر والعوامّ، وراموا جبر ما أوهنوا من الإسلام، أنهم فيما بعد يلقوننا على حلب والفراه، وأنّ عزمهم مصرّ على ذلك لا سواه، فجمعنا العساكر وتوجهنا للقاهم، ووصلنا الفرات مرتقبين ثبوت دعواهم، وقلنا لعلّ وعساهم، فما لمع لهم بارق، ولا ذرّ شارق، فقدمنا إلى أطراف حلب، وعجبنا من تبطّيهم غاية العجب، وفكرنا في أنه متى تقدّمنا بعساكرنا الباهرة، وجموعنا العظيمة القاهرة، ربّما أخرب البلاد مرورها، وبإقامتهم فيها فسدت أمورها، وعمّ الضرر العباد، والخراب البلاد، فعدنا بقيا عليها، ونظرة لطف من الله إليها. وها نحن الآن مهتمّون بجمع العساكر المنصورة، ومشحذون «٣» غرار عزائمنا المشهورة، ومشتغلون بصنع المجانيق «٤» وآلات الحصار، وعازمون بعد الإنذار وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا
«٥» وقد سيّرنا حاملي هذا الكتاب الأمير الكبير ناصر الدين علي خواجا، والإمام العالم ملك القضاة جمال الدين موسى بن يوسف، وقد حمّلنا هما كلاما شافهنا هما به،