لا غالب لمن ينصره، وحصر العدوّ «١» من كان العدوّ يحصره، وظهر الحقّ على الباطل، والحالي بزينة الله على العاطل، فخرج العدوّ الخاسر عما حازه والسّيوف ترهقه حيث تلفيه، والسّهام تثبته وتنفيه، وغرماء كرّة الإسلام تستقضي «٢» منه دينها وتستوفيه، والخزي قد جلّل سباله الصّهب، وحنّاءالدّماء قد خضبت مشيخته الشّهب، والغلب قد أخضع رقابه الغلب، فكم من غريق أردته دروعه، لمّا حشي بالرّوع روعه، وطعين نظمت بالسّمهريّ «٣» ضلوعه، فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين، وأحقّ الله الحقّ بكلماته وقطع دابر الكافرين، وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين
«٤» فأيّ رحمة منشورة ضفت على الإسلام ظلالها، وخطّة نعمة اتّسع نطاقها ورحب مجالها، ومجلى صنيعة راق عيون المؤمنين جمالها، فاهتزّت «٥» بها الأرض وربت، وبشكر الله جلّ جلاله أعربت، واستبشرت النّفوس، وذهب البوس، وضفا بمنّة الله اللّبوس، وظهرت عناية الله بمقامكم، وإقالة عثرة الإسلام في أيّامكم، فما كان الله سبحانه ليضيع لكم خدمة الحرمين، وإنّها للوسيلة الكبرى، والذّريعة إلى سعادة الدنيا والأخرى، وهي عهدة الله التي يصونها من كل اهتضام، وقلادته التي ما كان «٦» يتركها بغير نظام. وكان من لطائف هذا الفتح الذي أجزل البشرى، وأوسع أعلام الإسلام نشرا، وروده بعد أن شفيت العلّة، ونصرت الملّة، وبعد أن جفا الدهر وتجافى، وعادى ثمّ صافى، وهجر ووافى، وأمرض ثم عافى، فلو ورد مقدّمه قبل تاليه، ونقده متأخّرا «٧» عن كاليه، أو كانت أواخره بعيدا ما بينها وبين أواليه،