كتابي- أطال الله بقاء مولانا الصاحب الجليل كافي الكفاة- وليس من جارحة إلّا ناطقة بشكره وحمده، ولا في الدّهر جراحة إلّا عافية بفضله ورفده، وأنا مستمرّ له على دعاء، إن خلوت من أن يكون عائدا لصلاحي، ورائشا لجناحي، لألتزمنّه عن الأحرار العائشين في نداه، المستظلّين بذراه «٢» ، فكيف وأنا أوّل ساهر في مرابعه، ووارد لشرائعه، وأحوالي جارية على استقامة أقوى أسبابها تصرّف الأيام على آرائه، واتباعها إيثاره في أوليائه وأعدائه. والحمد لله رب العالمين، قضاء لحقّه واقتضاء لمزيده، واستدامة للنّعمة عنده، التي استحصفت في أيدينا سعتها، وسالت علينا شعابها، وغمرتنا سجالها، وتفيّأت لنا ظلالها، وما يزال بين رغبة مولانا الصاحب الجليل كافي الكفاة- أدام الله علوّه، وكبت عدوّه، في عبده ورغبة عبده إليه سرّ مكنون في الصّدور، ومستور تحت الضّلوع، فهما يتناجيان به على بعد الدار، ويلتقيان عليه بالأفكار، فإن تطلّع من حجاب القلوب، وشذّ من ظهور الغيوب، فإنّ ظهوره يكون من جهته في نفحات الإنعام، ومن جهتي في ثمرات الكلام. وقد وصل كتابه المخطوط بكرمه لا بقلمه، إلى صنيعته الماثل بين يديه بهممه لا بقدمه، فلم يستطع أن ينهض من الفكر، إلّا بقدر ما يبرّيء ساحته من الكفر، ويبلّغه إلى آخر الاجتهاد والعذر، وأسأل الله أن يطيل بقاءه للإفضال المأخوذ منه، والفضل المأخوذ عنه، والعلم الذي يزخر به بحره، والفخر الذي يسحب له ذيله، والعزّ الذي ضرب عليه رواقه، والسلطان الذي ألقي إليه استحقاقه، والأمر والنهي اللذين يحويهما تراثا واكتسابا، إذا حواهما غيره غلولا واغتصابا، بمنّه وطوله، وقد كان كذا وكذا.